يحيى الفخرانى : الفن فيه حلال وحرام

متابعة : خالد متولــى

الطريق إلى حوار مع فنان بحجم يحيى الفخرانى، غالباً ما يكون مزدحماً بالأفكار والأسئلة الكثيرة، فهذا الممثل استطاع أن يخلق حالة على مدار مشواره، ليست فقط فنية، لكنها أيضاً إنسانية وفكرية وأحياناً «سياسية».. حرصه الشديد الذى يصل إلى حد التعصب فى اختيار أدواره، وقلقه المضطرب من تقديم «الرديء».. وسعادته المؤقتة بالنجاح، والتى يرفض الاستغراق فيها حتى لا يفقد كونه «مبدعا»، كلها أشياء جعلت من الفخرانى ليس فنانا موهوبا فحسب، بل حالة إبداعية شديدة الخصوصية،ورغم هدوئه الشديد، الا أنه يملك داخله طاقة هائلة علي التمرد، بملامحه وتكوينه.. كسر ما يتعلق بمواصفات النجم التقليدية ، وصار واحدا من كبار النجوم في مصر والعالم العربي، في السينما هو صاحب تجارب متنوعة، ومعظمها تعد من أهم انتاجات السينما العربية، ومنها علي سبيل المثال عودة مواطن، للحب قصة أخيرة، واعدام ميت ، وخرج ولم يعد، وأرض الأحلام، وفي التليفزيون بات أيقونة وعلامة أصيلة، يملك منطقة خاصة جدا لا يملأها الا الفخرانى، أما في المسرح فنحن أمام غول تمثيل يمنح الخشبة روحا ووهجا نادرا لذلك لا تستطيع وانت تجلس معه الأ ان تقول أنه يحيي الفخرانى.

  سألناه فى البداية.. تعاونت مع جيل كامل من المخرجين على رأسهم رأفت الميهى ومحمد خان وعلى عبد الخالق وداود عبد السيد .. ما هى شهادتك كفنان على هؤلاء المبدعين؟

المخرج على عبد الخالق قدم أفلاما تجاوب معها الجمهور، وحققت إيرادات بدور العرض، ودائما كان يركز على جودة السيناريو بدرجة كبيرة، وفى رأيى أن المبدع رأفت الميهى من أهم كتاب السيناريو فى مصر، وعندما عرض علىّ بطولة فيلم«للحب قصة أخيرة»، قلت له: «أنا منفعش» وتخيلت وقتها أن البطل يشبه عبد الحليم حافظ، فرفض وقال لى: «انت اللى هتعمله ومش شايف حد غيرك»، ونفذنا الفيلم وحصدنا الكثير من الجوائز، وسط منافسة شديدة من أفلام أخرى، وتم تصنيفه من أفضل 100 فيلم، أما المخرج محمد خان فاعترف أنى استرحت معه كثيرا فى التعاون الفنى الذى حدث بيننا، واعتبره من أفضل السينمائيين الذين تعاونت معهم، وكان دائما يميل إلى راحتى، وأتذكر ونحن نقوم بتصوير فيلم «عودة مواطن» كانت البطلة أمامى ميرفت أمين وتجسد شخصية شقيقتى الصغرى، وجمعنى معها مشهد طويل وصعب، وكان من المفترض أنى لا أنظر اليها سوى عند إلقائى جملة بعينها، وبعد انتهاء المشهد شعرت أنى لم أجسده بالمعنى المطلوب وفوجئت بخان يقول لى«هايل جداً»، وأيضا فى فيلم «خرج ولم يعد» تعاونا معاً وكان عبارة عن رواية وخان قرر أن يصنع فيلما، ووقتها كنت اعتذر عن أفلام المقاولات لدرجة أنه لم يبق لى سوق فى السينما نهائيا، وواجهنا مشكلة حقيقية فى أن اسمى لا يوزع سينمائيا، وعرضنا العمل على النجم الراحل فريد شوقى، فوافق على المشاركة فى العمل وتحمل التوزيع، ونفذنا الفيلم، أما المخرج داود عبد السيد فلديه إحساس عال بالسيناريو أكبر من الإخر

*قدمت فى فيلمك «إعدام ميت» صورة عن وطنية الإسرائيليين عبر شخصية «أبو جودة».. ألم تخش من تجسيد ضابط بالموساد؟

هناك أكثر من فنان اعتذر عن تقديم شخصية «أبو جودة»، لكنى فرحت بها جدا، لدرجة أن شخصا من جهة سيادية هاتفنى وقتها وقال لى: «عايز أبو جودة ينتحر ليه»، فقلت له: «هذا الشىء الذى دفعنى أن اتشبث بالدور، لأن اليهود وطنيون، ولديهم عقيدة ثابتة، ومفهوم الوطن لديهم شىء كبير، لذلك اخترت له الانتحار»، وكنا قد تعرضنا لصدمة كبيرة فى 67 لأننا اعتبرنا العدو «ولا حاجة»، وصنعنا الفيلم وكان يتحتم علىّ إتقان شخصيتى، وأتذكر أنى عندما ذهبت لتصوير الفيلم كنت أنظر إلى اليهود الذين كانوا يعيشون فى القاهرة ولم يرحلوا منها، ورسمت شخصية «أبو جودة» فى خيالى كرجل يرتدى الملابس الكلاسيكية «بدلة وكرافتة»، لكن عند مقابلتى ببعض رجال العرب الذين تعاملوا مع «أبو جودة»، أخبرونى أنه لم يرتد الملابس الكلاسيك وملابسه كانت بسيطة، وهو ما نفذته فى العمل.

عندما تنظر على جيلك من النجوم عادل إمام وأحمد زكى ونور الشريف ومحمود عبد العزيز بعد هذا المشوار الطويل.. أين ترى كل نجم منهم؟

ربنا سبحانه وتعالى اسمه العدل، لذلك كل واحد منا له جمهوره، ولا يوجد نجم بلا جمهور، وإلا «كل النساء كن تزوجن من رشدى أباظة»، وكل واحد فيهم مختلف تماما وكلهم متفوقين، وهايلين جداً.

هل تُستفز من ارتفاع أجر بعض النجوم دونك؟

أنا يستفزنى أن منتجا «يضحك علىّ»، وحدث ذات مرة أنى كنت أتقاضى أجرا فى التلفزيون 3 آلاف فى الحلقة، ولم يكن يكفى احتياجاتى الحياتية، وعلمت أن الأجور ارتفعت، وظل يكذب علىّ ويعاملنى بنفس الأجر، فتركته نهائيا، وأقصد من هذا أن الشىء الذى يفرق معى المعاملة وليس مهما عندى أى شىء آخر، لأن مسائل الماديات «مش بتدوم»، والأبقى جودة العمل وتأثيره فى المجتمع.

بإحساسك الفنى.. من هى الفنانة التى حدث بينكما تناغم فى الأداء واسترحت فى العمل معها؟

النجمة الراحلة هدى سلطان، وأذكر أنها كانت تقول: «الفخرانى عوضنى عن محمود المليجى»، ودائما أمثل معها وأنا سعيد لأننى أدرك أن المشهد سيخرج على درجة عالية من الحرفية والأداء، وفى رأيى أن الفنان المناسب فى الدور المناسب، ومثلا عند تصوير مسلسل «الخواجة عبد القادر» لم أكن أعرف الفنانة سلافة معمار، واختيارها جاء من قبل المخرج شادى الفخرانى وأبدعت فى دورها.

ارتبط الجمهور بأعمالك الدرامية مبكرا منذ تقديمك «أبنائى الأعزاء شكرا»و«صيام وصيام» ورائعة «ليالى الحلمية».. هل تعمدت الوجود فى التليفزيون بجوار السينما لتحقيق أكبر قدر من النجومية؟

دائما أجرى وراء إحساسى، ومسلسل «ليالى الحلمية» اتعرض علىّ فى البداية دور ثان، حيث كان من المفترض أن يقدم الفنان محمود ياسين شخصية «سليم البدرى»، وفى تلك الفترة عرض علىّ مسلسل إنتاج قطاع خاص مكون من حلقات متصلة منفصلة، ولعبت المصادقة دورها محمود ذهب لهذا العمل وأنا أخذت سليم البدرى.

هناك مثل شائع يقول «تبقى فى بقك وتقسم لغيرك».. هل لعبت المصادقة دورا مشابها لهذا المثل فى حياتك الفنية؟

أتذكر موقفا حدث معى فى فيلم «العار»، عندما تمت قراءة السيناريو لى، ذهب ذهنى مباشرة لشخصية وكيل النيابة الذى جسد شخصيته حسين فهمى، لكن أخبرونى أنى مرشح لشخصية الطبيب التى جسدها محمود عبد العزيز، فهربت من العمل، وعندما عرض على سيناريو فيلم «الكيف» اخترت شخصية الدكتور صلاح أبو العزم، ولأننى تجمعنى صداقة وطيدة بمحمود عبد العزيز لم يعترض وابتسم.

ما أكثر شىء يضايقك فى لوكيشن التصوير وتحاول منعه؟

أمنع التدخين فى البلاتوه بقدر ما استطعت، لأن الصورة السينمائية تتأثر سلبا فى اللوكيشن لذلك المخرجون بيمنعوا التدخين، لكن فى التصوير الخارجى لا استطيع منع أحد لأن «زى ما همنع المخرج والنجم لازم أمنع المجاميع ماينفعش أفضل حد على حد».

هل الفن به حلال وحرام؟

طبعا، على حسب «النية»، و«السكينة بتقطع وتقتل فى نفس الوقت»، بمعنى هل أنت غرضك إثارة الشهوات، وهذا المشهد يقتضى سياقه الدرامى أم لا، وهناك أشياء خاصة بمجتمعنا، وعندما أشاهد بعض الأفلام الأمريكية وأرى مشاهد صريحة، أقول بينى وبين نفسى «لو دعيت لمشاركة هؤلاء سأرفض مباشرة، لأن بداخلى ثقافة مجتمعى»، ولن أستطيع تقديم مثل هذه المشاهد لذلك «مينفعش أكون نجم هناك، وكذلك هم ماينفعوش نجوم عندنا».

إضفاء الحس الصوفى على أعمالك الأخيرة.. هل هو أمر متعمد؟

المؤلف عبد الرحيم كمال هو من يضفى هذا الحس على العمل، وأنا تعلقت بـ«الخواجة» رغم أنى عندما عرضه على الكاتب قبل تنفيذه بعامين، أخبرته أن هذه الشخصية لا تتناسب معى، بمعنى أن العمل يتطلب شابا عمره لا يتجاوز الثلاثين عاما، واخترت مسلسل «شيخ العرب» وسبب إقبالى علي «شيخ العرب» القيادة وحبه للعدل والتفاف الناس حوله، لأنه كان همى الحاكم العادل، وأيضا المخرج شادى الفخرانى أحب اللون الصوفى، وأنا شخصيا تربيت على هذا الإسلام، والدى رحمه الله لم يقل لى ذات يوم «صلى غصب عنك»، وكان يعلمنى بالحب وليس بالتخويف والترهيب من الدين، و«هو ده الدين اللى اتربينا عليه مش المستورد».

من أكثر الشخصيات الفنية التى تثير ضحك الفخرانى؟

يضحكنى فى المسرح سمير غانم، وفى الأفلام أحب الراحل نجيب الريحانى.

بعيدا عن الفن والثقافة.. كيف تأملت الـ4 سنوات الأخيرة فى ظل الأحداث التى مرت بها البلاد؟

لا أخفى أننى كنت متشائما جدا، وعندما قاموا الشباب بالثورة فى يناير 2011 ، تخيلت أنها ثورة حقيقية، وتفاءلت بشكل كبير لدرجة أنه عندما قالوا: «سنذهب إلى منزل رئيس الجمهورية»، وكان هذا قبل التنحى، قلقت عليهم وقلت وقتها:«هيقتلوهم» وقمت بإجراء مداخلة هاتفية ببرنامج العاشرة مساءً مع منى الشاذلى،_(حيث كانت تقدمه ذلك الوقت )_يوم خطاب الرئيس الأخير، ووجهت كلامى له قائلا : «هذه ثورة مثل ثورة 19 يا ريس وانت هتكون فخر لأبنائك، وأنا نفسى آجى أسلم على الرئيس السابق محمد حسنى مبارك»، والرجل ذكر وقتها فى خطابه أنه لا ينتوى الترشح للرئاسة لفترة جديدة، ثم حدث ما حدث وانقلبت الأية وأدركنا حقائق الأمور، و«الإخوان» و«الشرق الأوسط الجديد»، وسبب إجرائى المداخلة وقتها كان خوفى وقلقى على البلد.

بعد أن انكشفت حقائق الأمور على حد قولك.. هل أنت مشفق على حسنى مبارك؟

نعم مشفق عليه، رغم أنى كنت متفائل بالثورة، ولم أقل عنه الرئيس المخلوع قط، وأرفض هذا التوصيف، ولا أحب أيضا أقول المعزول، وإشفاقى عليه يأت لتاريخه النضالى، ولا أحد كان يتصور أنه «يتبهدل بهذا الشكل»، واعتقد ان هذا يفيد مصر للزمن القادم، وهذا كله إرادة الله «علشان الناس توعى»، وها نحن جميعا نشاهد محاكمته هو وأولاده التى تذاع علنا، ولو برأهم القضاء فعلا هيبقى خير كبير لمصر، بمعنى أن الوعى عند المصريين يزيد والجيل القادم يعرف أن هناك رئيسا خضع للمحاكمة..أيا كانت نتيجة المحاكمة .

كيف ترى ارتباط الفنان بالسلطة.. وهل ارتباطه شرط لنجوميته؟

أخطر شىء على الفنان أنه «يبقى جنب السلطة»، والرئيس الراحل أنور السادات رحمه الله، كان دائما يتحدث عنى بشكل «كويس»، ويوم زفاف ابنته دعيت لحضور حفل الزفاف، وهاتفونى بعض الأشخاص من رئاسة الجمهورية وقتها وقالوا لى :«الريس عايز يكلمك»، فأكدت لهم أنى هحضر الحفل، وفى يوم الاحتفال مرضت ولم أذهب، ورغم رأيى المعلن فى الرئيس السيسى وحبى وتقديرى له لكن «مش هبقى جنبه» لأن السلطة الأبوية مكروهة، وأنا كفنان بمثّل الشعب، باختصار «أنا بتاع دول مينفعش أكون جنب السلطة».

ألم ينتابك خوف عقب وضعك أنت والدكتورة لميس على قوائم الإغتيال، بعد أن قاموا بتكفيرك؟

«هذا هبل،» ولم يرهبنى أى شىء طالما أننى على حق، لكن كنت قلقا على لميس وسط الحملات التى كانوا يشنوها علينا بالشتائم.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان