قيمة الوقت الجزء الثاني

كتب : عبدالحفيظ محمود حسن

…… واستكمالا لما بدأناه في هذا الطرح القيم الكريم ؛ ولما كان الوقت هو الرصيدالأثمن لقيام الدول والامم ، والسلعة الأولي لبناء الحضارات ؛ لم تكن الحضارة الاسلامية بمنأي عن هذا الرصيد الفريد الأثمن قدرا ، ولا بعيدة عن هذه السلعة البناءة الأرفع شأنا ؛ بل كانت اقرب الحضارات احتراما للوقت ، والتزاما بقيمته ؛ والذي انعكس من خلالها منحني التاريخ الانساني والبشري علي اختلاف العصور ، ورسم علي افقه شعاع الأمل والمستقبل الواعد الذي عرفته البشرية دوما وأبدا..وما زالت بقايا أثره ظاهرة جلية حتي يومنا هذا.

….. ذلك لأن الحضارة الاسلامية لم تكن حضارة في معناها قط ؛ مثل باقي الحضارات السابقة الأخري ؛ بل كانت توافر من الناس والامم ، وتزايد من الأجيال الزاخرة بالعلم النفيس التي تحمل في طياتها العقيدة السامية، والقيم المثلي ، والاخلاق العليا كي تعلمها للناس علي مختلف الازمان والاماكن والألسنة.

…… فكان مفتاح تلك الحضارة الجديدة المتألقة هي ” اقرأ “!!:
كناية عن العلم الزاهر والزاخر والوافر الذي لا يعرف قدره ، ولا يلمع بريقه الامن خلال المعرفة التامة بقيمة الوقت واحترامه.

……فنري الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام يتلو علينا من كلام ربه قائلا :
” ان الصلاة كانت علي المؤمنين كتابا موقوتا “.
دلالة علي ان الصلاة مخ العبادة ، وعمود الاسلام . وصلب الدين والايمان.. ومع ذلك كان لها وقتها المحدد ، وليست هي قط ..
بل والزكاة فلها ميعادها ،وسبل صرفها ، والصوم له شهره المحدد ، والحج وطوافه ووقفته له يومه المحدد..كل ذلك اشارة الي أن العبادات النسكية والمعاملات الانسانية اذا اتفقتا في المبدأ والاصل ..واحترام الوقت كان الرقي والتقدم من نصيبها ، وبذلك كانت منبعا لقيام الحضارة البناءة علي أسس سليمة.

……. ولم يكتف الذكر الحكيم عند هذا الحد..بل يحثنا علي العمل والاجتهاد والتخطيط المسبق من اجل الرقي والتحضر .فنردد قائلين :
” ولتنظر نفس ماقدمت لغد واتقوا الله ” ؛اتيانا بهذا المعني البليغ الذي طالما افتقدنا أثره..فهيا نبدأ!!!

….. ونتمعن في سيرة الحبيب العطرة صل الله عليه وسلم ، فنراه يوصي احد صحابته وهو عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قائلا له :
” ياعبدالله؛ اذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، واذا اصبحت فلا تنتظر المساء” ..ويوجه نصحه الي كل فرد من أفراد أمته قائلا :
” اغتنم خمسا قبل خمس :
حياتك قبل موتك، وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ” …
؛ لذا حرص الصحابة أجمعين علي هذا الوعي النبوي الكريم فعملوا به قدر مااستطاعوا ،وما بذلوا من جهد فريد نفيس.

….. كما حرص عظماء الخلافة الراشدة ورجالها الأفذاذ أشد الحرص علي قدر الوقت واحترامه واستيعابه في كل ماهو دافع للخير ، ونافع وبناء…لعلمهم الواسع ..وبصيرتهم الثاقبة نحو هذا الرصيد الغالي النفيس…فنري بذلك نماذج مشرقة من حياتهم الوضاءة علي مختلف العصور…
– فهذا أبوبكر الصديق الأكبر يؤسس
الخلافة المباركة فيقاتل مانعي الزكوات ، ومرتدي النسك والعبادات،
ويسابق في الخيرات .
– وهذا عمر الفاروق يبدأ الفتوحات، وينشر العدل في الارض وفي الفلوات.
– وهذا عثمان ذو النورين يكثر النفقات ، ويزيد الفتوحات، ويجمع للذكر الحكيم ءايات .
– وهذا علي الامام وابو الحسنين يغار علي دينه ، فيزهد عن المغريات ، ويسبق في الغزوات ، ويخمد الفتن والثورات ، ويلقي علي مسامع الناس أطيب الكلمات البليغات ، في صورة نصح وارشادات .

……. فكانوا بحق عظماء الامة بعد رسولها ؛ فكانوا قدوة لغيرهم ،ونبراسا للهدي والنور من اجل احترامهم لتلك السلعة الفريدة من نوعها ، والنادرة في طرازها.

……. علي ان الحديث سيبقي طويلا عن هذا الطرح القيم الذي طالما طال انتظاره .. فعلي امل اللقاء المقبل ان شاء الله مع الجزء الثالث لهذا الطرح المتواتر ، وبيان احترام السلف الصالح لهذه السلعة التي تبلغهم مرادهم الأسمي..
فهلا انتظرتم !!!

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان