رواية ” راضية الفصل الأول و الثاني ” للأديبة ” نهال عبد الواحد “

  1. مقدمة الكاتب ..

بدايةً هذه القصة تعرض بعض العادات الصعيدية التي اندثرت في الكثير من البلدان لكنها لازالت موجودة في عدة قرى صغيرة، وأيضًا هذه اللهجة حقيقية وموجودة، أعلم جيدًا وجود فارق بين اللهجات من محافظة لأخرى، أتمنى أن انتبهوا لهذه النقطة أيضًا…
قد نوهت بخصوص اللهجة والعادات حتى لا تزداد التساؤلات أو تهكمات البعض فقد أغلقت هذا الباب .

الفصل الأول

قد تبدو أقدارنا في بدايتها مؤلمة وغير مرضية لكنها في الحقيقة خير لا نراه إلا في حينه، ولو خُيّرت لاخترت ما قُدّر لك، فرب الخير لا يأتي إلا بخير.

في إحدى قرى الصعيد استيقظت فتاة جميلة في الثامنة عشر من عمرها قبل الفجر أول من في البيت أخذت حمامه، جدّلت شعرها الأسود الطويل ثم ربطته معصبة رأسها مظهرة جبهتها الخمرية.

خرجت من حجرتها، جلست تعجن الخبز ثم غطيه لتفعل شيئًا آخر فأذّن الفجر فتوضأت وصلت ثم ذهبت تشعل الفرن، جلست جواره تفرد العجين و ترميه في النار ثم ينضج وتخرجه وتغطيه بقطعة قماش وتضع غيره.

وهكذا حتى انتهت وقد قاربت الساعة على السابعة فذهبت للمطبخ تعد الشاي و الفطور سريعًا لأخيها وأولاد أخيها قبل ذهابهم إلى المدرسة، دخل عليها أخيها عبد الرحمن بقميصه وبنطاله مصففًا شعره الأسود ومزيّنًا شاربه.

– صباح الخير يا راضية.

– يسعد صباحك يا خوي.

– ده انتِ راضية عنِّينا إنهاردة وعاملالنا راشتة كماني (أدوسية) تسلم يدك يا غالية.

– تسلم يا خوي، دوج وادعيلي.

– من جبل ماادوج والله!  يا ما نفسي أفرح بيكِ.

– بزيادة الحديت دي، أنا إجده فرحانة بنفسي، ست البيت وسلطانة زماني، لا حمى تنكد عليّ ولا سلفة تكيد لي.

– إنت شَديدة يا خيتي ما حدش يجدر عليكِ واصل.

– عارفة، وعشان إجده ماهعمرش وهتطلج ف الصباحية.

فضحك أخوها وقال: يا بوي على لسانك!

فضحكت وجاء والدها صالح بجلبابه الأبيض مثل ملامح وجهه السمحة، ومسبحته لا تفارق يده: صباح الخير عليكم.
فاتجه عبد الرحمن و راضية لوالدهما يقبلان يده، فنظر بينهما قائلًا: صوتكم عالي ع الصبح.

فضحكت راضية قائلة: مفيش حاجة يا بوي،  بنتحدت حديت ماسخ مالوش عازة.

تنهد عبد الرحمن وتابع: كويس إنك عارفة إنه ماسخ.

فنبست على مضض: فض الحديت يا ولد بوي وكفايانا رط فاضي ع الصبح.

وهنا نزل أولاد أخيها وسلموا على جدهم وقبلوا يده وعلى أبيهم وقبلوا يده هو الآخر.

فصاحت راضية: هِم ياض منك ليه وافطُروا، أبوكوا هيتأخر عل مدرسة.

أحد الأطفال: ما عايزش رشتة يا عمتي، عايز آكل بيض ف السمن.

فصاح عبد الرحمن في ابنه: ما تاكل من سكات يا ياض، هي عمتك عتعملها كل يوم، ولا حد بيعرف يعملها زين زييها؟

فقال: ماعايزش آكل منيها.

فربتت عليه قائلة: طيب طيب ععملك، حد عايز زييه يا عيال؟
فأجابوا بالموافقة.

فقال الولد: طب حطيلي شوية رشتة آخدهم معاي،  أحمد صاحبي عيحب الرشتة بتاعة عمتي.

فقال عبد الرحمن وهو يأكل: عجبال ما تحبها إنت التاني.

عقدت راضية حاجبيها بتفكير ثم قالت: ده ابن أم صبري اللي ف الشارع اللي جارنا.

أومأ الولد: آه!

فتابعت راضية: لما تاجي م المدرسة أديك تشيعلهم حبة عليهم الجيمة، اللي يخرج من بيت صالح لازمن يملى العين ويليج بمجامنا.

ثم نادت على أخرى: إنت يابت هاتي المشّاطة أمشطلك شعراتك، يلا همي أبوكِ عايز يمشي.

فصاح عبد الرحمن: وفين أمهم بت المركوب دي؟ مرجودة فوج وخلاص ما لهاش عازة وإنتِ تعملي كل حاجة!

فتأففت راضية من غلظة أخيها وأجابت: ما ليكش صالح بيها يا عبده، دي حبلى و تعبانة وشجيانة مع عيالها،  وأنا بعرف ميتى أشغلها وميتى أريحها.

فأردف عبد الرحمن بتهكم: خليكي إجده جلعي فيها يا خيتي  هي وعيالها!

تابعت راضية: ما جلتلك ما لكش صالح إنت بشغل الحريم وما تخوِتش راسك، أهي مشطت شعرات البت و بجيت زينة زي الجمر، هِم إنت عشان إتأخرت عل مدرسة يا أستاذ عبده.

خرج عبد الرحمن وأبناءه ذاهبين إلى المدرسة يسلمون على من يقابلون في طريقهم فهو مدرس بالمدرسة وأهل القرية تلاميذه.

وبعد الظهر بقليل يبدأ التلاميذ بالخروج من المدرسة و العودة لبيوتهم وقد اعتاد أخيها أن يذهب لوالده في دكانٍ لهم ويطل معه حتى صلاة العصر يصليان ثم يعودان للمنزل لتناول الغداء ثم ينام حتى قبيل المغرب فيستيقظا ويجلسون جميعًا لشرب الشاي ثم يخرج بعدها لصلاة المغرب مع أبيه ويذهبان للدكان بعد ذلك حتى الليل.

وقبيل المغرب كان عبد الرحمن و والده يتحدثان فجاءتهما راضية بأكواب الشاي.

بشّ صالح لابنته: تسلم يدك يا بنيتي.

أجابت راضية مبتسمة: يسلملنا حسك ف الدنيا يا بوي!

تأفف عبد الرحمن وصاح: برضيكي سايباها مرجودة وإنت اللي عتعملي كل حاجة!

فصاحت راضية: جرى إيه يا عبده؟ انت أول واحد عارف إن مرتك هي اللي طابخة إنهاردة فبلاش تعملهم عليّ،  صالح مرتك يا عبده و بزياداك.

تهكم عبد الرحمن قائلًا: عملالي أم العريف!

– بس عارفاك ياواد بوي، وكماني ما عحبش الظلم والإفتري، ودي بت عمك فبزيادة.

ربت صالح على ابنته وقال: ربنا يراضيكِ يا بنيتي زي مابتراضي بنت عمك، إسمع كلام خيتك وأول ما ناجي م الجعدة الشوم دي،  لازمن تصالحها صلح زين هه!

رشف عبد الرحمن رشفة من كوب الشاي وأومأ: حاضر يا بوي.

فضحكت راضية وصاحت بمكر: ما بلاش الحركات دي واعترف إنك اتوحشتها.

صاح عبد الرحمن مبتسمًا متصنعًا الغضب: بس يا بت.

ثم تسآلت بقلق: جعدة إيه يا بوي؟

أجاب صالح بتثاقل: هو حدانا غيرهم،  ولاد عمك اللي ربنا بالينا بيهم وما عيسكتوش إلا لما يجيبولنا مصيبة.

– مالهم؟

أجابها عبد الرحمن: مسكوا ف ولاد بيت علي، والتنين شبعوا بعض جَتل، وادينا رايحيين جعدة الصلح وربنا يجيب العواجب سليمة المرة دي.

فتأففت راضية صائحة باعتراض: وبعدهالهم ولاد عمي دول! شكلهم هيجيبولنا مصيبة صوح، وكنت زعلان يا بوي لما رفضتهم كلاتهم لما أتجدمولي!

تحدث صالح: يا بتي كانوا أولى بيكِ م الغريب.

– لا جريب ولا غريب يا بوي، هم دول رجالة دول! جاهم الهم بيعملوا كل بلوة وبلوة، ما تروحش يا بوي مالناش صالح،  سيبهم يتعكوا فيها لحالهم.

– وااه يا بنيتي! كِيف دي؟! ولما تتعجد بين بيت صالح وبيت علي ويضربوا ف بعض ما هيميزوشي وجتها وعيتاخد العاطل بالباطل، و ما عينفعش نجول وجتيها مالناش صالح، التار ناره جايدة وبحور دم غريجة ما عتنتهيش، هم يا عبده خلينا نلحج صلاة المغرب.

راضية: ربنا يجيب العواجب سليمة!

الفصل الثانى

خرج الحاج صالح وولده لصلاة المغرب ثم ذهبا لمجلس الرجال في بيت أحد كبار النجع وهو رجل مُهاب وحكيم له كلمة مسموعة للعائلتين.

واجتمعت العائلتين وأخذ كلا منهما يقص ما حدث ويرمي باللوم على الطرف الآخر؛ و لأن ذلك لم يكن الخلاف الأول بين العائلتين وإن تُرك الأمر هكذا ستنزف بحور من الدم في حروب الثأر والسبب لا شيء كالعادة.

وبعد عدة ساعات من الجذب والهجوم في الحديث تقرر قرار لا يمكن الرجعة فيه بأي حال ومن يعود فيه سيصير ناقضًا للعهد و سيقع عليه العقاب الذي يستحقه غير ما سيقال عنه.

تقرر أن يتزوج شاب و فتاة من العائلة الأولى بشاب وفتاة من العائلة الثانية، وبذلك سيصبح هناك نسب ودم بينهما فتصير العائلتان عائلة واحدة فتحقن الدماء ولا يحق لأحد الإعتراض أو الرجوع في ذلك و قد تم اختيار هؤلاء الشباب بالإسم.

بعد خروج صالح وعبدالرحمن جلست راضية بعض الوقت مع كريمة زوجة أخيها و أولاده؛ حيث أنه سيصبح في الغد يوم الجمعة يوم راحتها وظلت جالسة معهم يشاهدون التلفاز، و قد تأخر أبيها وأخيها ومع إرهاقها غلبها النعاس فذهبت للنوم في غرفتها.

عاد صالح وعبد الرحمن متأخرَين بهيئة غير الهيئة و حمدا الله أن كل من بالبيت قد نام.

وفي صباح الجمعة وكانت راضية قد اعتادت الإستيقاظ فيه متأخرًا نسبيًا فليس هناك خبيز اليوم، وأعني بمتأخرًا أي في حدود التاسعة فتستيقظ وتقوم ببعض أعمال المنزل ثم تعد الفطور  ليتناولوه قبل الذهاب لصلاة الجمعة.

وعقب صلاة العصر ككل يوم تعد الغداء و يجلس الجميع و بالفعل قد كان، لكن وجه صالح و عبد الرحمن متغيرَين كثيرًا.

ورغم فضولها الشديد لتعرف ما خطب أباها وأخاها وأيضًا تود أن تعرف ما حدث بالأمس وعلى أي شيء قد انتهى ذلك المجلس!

فتحدثت راضية: مالكم ساكتين ليه م الصبح؟!واكلين سد الحنك! استنظرتكم عشية بس إنتو إتأخرتم فرجدت، في إيه؟ شكلكم ما يطمنش!

فاستدار عبد الرحمن بوجهه عنها ونظر لأبيه يشير إليه أن يتحدث فهو لا يستطيع سرد أي شيء.

تنهد صالح قائلًا بتثاقل: شوفي يا بنيتي هي الجعدة طولت فتأخرنا.

فتابعت راضية: خير إن شاء الله.

– إنتِ عارفة طبعًا إن الحكم ف الجعدات دي نافذ وما منوشي رجعة واللي يرجع هو حر  والجاني على روحه.

– ما فهماش حاجة.

– الحكم اللي اتحكم بيه واتفج عليه العيلتين واتعاهدوا وجريوا الفاتحة عليه، يُبجى… يُبجى… واد و صبية من بيت صالح يتجوزوا واد وصبية من بيت علي؛ فيبجوا بعد النسب والخلفة دم واحد وعيلة واحدة ما يجدروش يعضوا ف بعض.

فنظرت له واجمة فقد وصلها إحساسٌ معين لكن لم تنطق وانتظرت ليكمل أباها حديثه: وإنتِ الصبية اللي من بيت صالح.

وهنا صرخت راضية وضربت على فخذها وهي جالسة تولول: يا مري يا مري ! وإحنا صالحنا إيه؟! لا لينا ف الطور ولا ف الطَحين.

فقال عبد الرحمن: ما إنتِ البنتة الوحيدة اللي ف بيت صالح ولسه مااتجوزتش.

فصاحت راضية بقهر: لا يا بوي ما هيحصلش واصل ماليش صالح بالحديت دي!  لا ما هيحصلش ما هيحصلش!

وقامت من أمامهم تبكي وتولول على حالها ذاهبة لحجرتها.

وعند العائلة الأخرى…

ينزل شاب من الطابق الأعلى بجلبابه المنزلي، ذات ملامح مقبولة منمق الشعر والشارب، ويبدو أنه مستيقظًا توًا من نومه فوجد أمه و إخوته و زوجات إخوته مجتمعين.

صاح قاسم (الأخ الأكبر): كل دي راجد!

فأجاب علي (الشاب): يا خوي كان عندي نبطشية في المِستِشفى و جيت بعد صلاة الجمعة.

فصاح كامل(الاخ الأوسط): جرى إيه يا واد بوي؟مش عايش ويانا ولا داري بأي شيء.

عقد علي حاجبيه وتسآل: في إيه بس؟ كل دي عشان ما جيتش جعدة الرجالة!

تحدثت حُسنى (الأم): ما عشية يا وليدي كانت جعدة الرجالة عشان اللي بناتنا وبين بيت صالح، إسمع اللي عيجوله عليه خواتك يا ولدي.

صاحت منال(زوجة الكبير) محركة حاجبيها المعقوصين: واه يا مرت عمي!  مش ياكل لجمة لاول!

نظر علي بينهم ثم قال بقلق: لجمة ايه بس! الموضوع شكله واعر جوي،  جول يا واد بوي.

قال قاسم: عشية اتفج الكل على جرار و جرينا كلاتنا عليه الفاتحة يعني ما عينفعش حد يجول لا ولا يرد كلمة.

– مفهوم طبعًا هم ولاد عمنا يعملوها ويدبسونا فيها، هه كمل كمل إستر يا ستار!

– الإتفاج إن واد وصبية من بيت علي ياخدوا واد وصبية من بيت صالح ولما يتجوزوا ويصير النسب و الدم و عنبجى عيلة واحدة ويد واحدة.

– طب والله رأي زين جوي وعين العجل ولو كنت حضرت عشية كنت جولته، ومين عياخد مين عاد؟

فتدخلت منال: أختي عياخدها الأستاذ عصام المحامي.

أومأ علي بإعجاب: أعرفه، ده راجل زين صوح و ولد أصول،  عاجل و عيخاف على بنتنا صوح، ماهم لازمن يختاروا الناس الزينة العاجلة عشان ما يغفلجوهاش عل كل!

فتابع قاسم: وإنت عتاخد راضية بنت الحاج صالح.

انتفض علي واقفًا وصاح: إيه! وأنا صالحي إيه بالموضوع المجندل دي! لا يا خوي ما عينفعش!

صاح قاسم: وااه! ماانت لساتك ماسك ربابة وبتجول وتعيد عل الإتفاج وإنه زين وما عرفش اية دلجيتي ما عينفعش!

قال كامل: وماعينفعش نرجع ف كلمتنا بعد ما جرينا الفاتحةالناس تاكل وشنا.

صاح علي بغضب: وأنا مش بنتة عتجولي اتجوزي دي أجول آمين! كِيف يا خوي؟ كِيف يامي؟  راجل ينجبر على جوازة كِيف دي يا عالم؟!

تنهدت حُسنى قائلة: خلص الحديت يا ولدي على إجده.

تابعت منال بمكر: ما كُت خت خيتي م الاول يا علي أهي كانت أحسنلك م الغريبة دي.

صاح علي: سكت مرتك يا جاسم!

تحدثت أسماء (زوجة الأوسط): بس نسمع إنها زينة وجمرة وعيحكوا و يتحاكوا على جمالها و أدبها وشطارتها.

رفعت منال إحدى حاجبيها بعدم رضا وصاحت: ماتنجي كلامك يامرة إنتِ! عتكون احسن من خيتي يعني!

صاحت حُسنى: إسكتي ساكتة انت و هي! بص يا ولدي عارفة والله إنه واعر عليك جوي  بس ما باليد حيلة، خدها و نفذ حديت الرجالة عشان دي الأصول وخليها وبعد إجده إبجى اتجوز اللي تريدها وماحدش عيجدر يجول حاجة، المهم ما تطلجهاش.

اعترض علي قائلًا: إيه الحديت الماسخ دي! ترضيها لبت من بيت علي يا مي!

تابعت منال باعتراض: وهم بنات بيت علي عيتساوو بالغريبة؟

صاح علي: اللهم طولك ياروح! ما تكتمي يا مرة إنتِ!

صاحت فيها حُسنى: فِزي إنتِ وهي جومو من اهني.

فانصرفت منال على مضض وأسماء خلفها.

فتحدثت حُسنى: خلاص يا ولدي الحديت خلص على إجده وأنا عاخد حريم خواتك ونروح نعملوا الواجب ونشوف العروسة،  ونتفج على يوم ياجو فيه رجالة العيلة ويجعدوا يتفجوا ويجروا الفاتحة، لما نشوف عيتشرطوا علينا ولا ايه! بيجولوا بترفض اللي ياجيلها،  أما نشوف شكلها كِيف السفير عزيزة دي!

وسكت علي بعد جدال طويل لم يثمر على أي شيء…….

انتظرونا قريبا مع باقى الأحداث….

 

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان