رواية ” المعجبة المهووسة ” الفصل الخامس والسادس للأديبة نهال عبد الواحد

الفصل الخامس

وذات يوم في الصباح الباكر استيقظت نهى على صوت اتصالٍ من هاتفها فردت بعينٍ نائمة: مرحبًا! من المتصل؟ أهلًا كيف حالك؟ حسنًا سأقدم لها إجازة…. ألف سلامة عليها… مع السلامة.

فاستيقظ ياسين وقال: إجازة! ما الخطب؟

– هي خالتي أم مها، إن مها مريضة، مصابة بقئ مستمر مع حمى شديدة، وخالتي فاتن تصنع لها الكمادات لتخفض تلك الحرارة وتذهب بها إلى المستشفى وقد طلبت مني أجازة.

– وهل من حسن التصرف إنتظار الحرارة حتى تنخفض ثم تذهب إلى المستشفى؟!

– ماذا بيدها وهي وحدها؟ لقد سافر أخوها.

– سأتصل بطبيب الشركة ونذهب به لفحصها وحتى تُقدم لها إجازة مرضية.

– كنتُ أود أن أطلب منك هذا الطلب لكن…..

ياسين: كأنك تحرّجتي مثلًا!

فضربته على كتفه ضربة خفيفة فضحكا وضمها إليه في دعابة.

ذهب ياسين ونهى ومعهما الطبيب لمنزل مها وقد تفاجئت بهم فاتن أم مها فرحبت بهم، دخل الطبيب وفحصها وكانت مها تعاني من نزلة معوية شديدة فقام بإعطاءها بعض المحاليل والحقن ثم أحضر العلاج حيث لا يوجد من ينزل لشراءه.

مضت أيام ومها بالفعل في إجازة مرضية وبدأت تتحسن يومًا بعد يوم وكانت نهى تذهب لزيارتها يوميًا ولم يعد يمانع ياسين فقد عرف مها جيدًا ووثق فيها كما تعرّف على والدتها واستراح لها أيضًا وتأكد من عدم وجود رجال لديهما.

بالطبع لم يخفى غياب مها عن جلال وكالعادة ثار ثورته ونادى على نهى التي بدورها نادت على زوجها ليدخل معها عند جلال.

فنظر جلال لأخيه وقال: وأنت جئت حارسًا أم محاميًّا يا ترى؟!

فسكت ياسين ولم يعقّب فأكمل جلال: من تُدعى مها تلك لم تعد تحضر، ترى لماذا؟ هل صارت تكية؟ أم كل من هنا يمشي حسب هواه؟!

فأجابت نهى بضيق: بل هي مريضة قد أصيبت بنزلة شديدة وقد قدمت لإجازة مرضية، حتى أن دكتور حسن طبيب الشركة هو من فحصها وكتب الإجازة إن أردت التأكد!

أومأ جلال بضيق: بالطبع سأتأكد.

وما أن أمسك جلال بسماعة الهاتف الداخلي حتى سمعوا طرقًا وقد كان دكتور حسن الذي دخل ملقيًّا التحية.

ابتسم جلال على مضض ثم تحدث: عظيم! كنت أريدك لأسألك عن أمر ما.

أومأ حسن باستكانة: تحت أمرك سيدي.

– لدينا موظفة هنا متغيبة منذ أسبوع.

– مؤكد حضرتك تقصد الآنسة مها.

– أجل!

– كن مطمئنًا سيدي، لقد فحصتها وأتابع حالتها بنفسي، لكن كنتُ أرغب في محادثتك في أمر ما!

فنظر نحوه الجميع دون تعليق، ابتلع حسن ريقه متوترًا وأكمل: حقيقةً بعد متابعتي للآنسة مها ومعرفتي بها وبوالدتها الكريمة -تردد قليلًا ثم أكمل- صراحةً قد أُعجبت بها أقصد بأخلاقها.

فقاطعه ياسين بحدة: مهلًا! كيف عرفت كل ذلك؟ هل عرفته وأنت تفحصها مثلًا؟!

أومأ حسن: بالطبع لا، لكني أدركت أنها قريبتكم فكنت أزورها يوميًا لمتابعة الحالة وأطمأن عليها بنفسي، وشعرت بالقبول فجئتُ لأتقدم لخطبتها.

صاحت نهى بذهول: قبول! أي قبول الذي تتحدث عنه؟! هل مها قالتلك ذلك بنفسها؟!

أومأ حسن رافضًا ومتسعة ابتسامته: لا لا، لم أتقابل معها فكلما ذهبت وجدتها نائمة، لكني كنت أجلس مع والدتها التي سعدت بي ورحبت بي تمامًا.

فصاح ياسين بغضبٍ: ومن سمح لك بالزيارة اليومية؟ لقد ذهبتُ بك في مهمةٍ محددة وليس لتقضيها ذهابًا وإيابًا.

أجاب حسن: كنتُ أريد إتمام عملي على خير قيام خاصةً وهي قريبتكم ويلزم إكرامها.

فاندفع جلال ثائرًا: وما خصك إن كانت قريبتنا أم لا؟ ومن أخبرك بذلك الأمر أصلًا؟ ثم من أخبرك أني خاطبة؟! أقادم إليّ لتخطبها مني! يا لك من غبي! ومن تكون أنت لتسمح لنفسك بالتحدث معي في أمر كهذا؟ أنت مجرد موظف هنا وغير مسموح إطلاقًا أن تتعدى حدودك.

تحدث حسن بخوف: سيدي!

فصاح جلال بغضب شديد: قلتُ غير مسموح أن تتعدى حدودك، إختفِي الآن من أمامي! اذهب!

فخرج حسن مسرعًا خائفًا من ذلك الإعصار الرهيب دون أن يفهم أي شيء، بينما ظل جلال يثور ويثور وغضبه يزداد ويزداد فتركاه ياسين ونهى وذهبا خارج مكتبه.

خرج ياسين يضرب كفًا بكفٍ كعادته فغضب جلال هذه المرة ليس مجرد غضبًا عابرًا بل هو غضب ممزوج بغيرة شديدة.

التفت ياسين نحو نهى قائلًا بضيق: لقد كنتِ محقة، هذه غيرة والله غيرة! وليست أي غيرة، ليته يأخذ خطوة جدية ليرتاح ونرتاح جميعًا.

– بدأت أقلق على مها منه، فمن مثله يحب دون أن يدري، فلم يقتنع بعد وحتى إن اقتنع فذلك يحتاج لمعجزة، وإن تخطينا ذلك الأمر فهو لا يحب كمحب بل هو حب للتملك فإن اقتنع أنه يحبها فهذا بالنسبة له أنها ملكه ومها لن تقبل نهائيًا بذلك، إن مها عنيدة ولها عقلها وتفكيرها وتكره من يقيدها، مها على نقيضه تمامًا في كل شيء، ذلك غير قصة حبها الوهمية تلك التي غمست نفسها فيها، ماذا لو علم أنها تحب غيره أو ترفضه! إنها حرب أخرى بل كارثة!

فنظر لها ياسين دون رد فكلامها رغم أنه يحمل الكثير من الحقائق خاصةً التي تخص طبيعة شخصية جلال من حيث حب التملك فإن أحبها حقًا فسيمتلكها دون أن ينظر أو يراعي رغباتها ومقتنعاتها ولن يهتم برؤيتها وقرارها ولن يصبر حتى تفكر مثلًا أو تعطي تفسيرًا لأمرٍ ما أو تبريرًا لفعل ما بل سيسرع في الحكم وكأنه قد منّ عليها أن أحبها وتحرك إحساسه لها وتلك نعمة كبيرة عليها أن تشكر ربها عليها صباحًا ومساءً، بالطبع هي وجهة نظره، فيكفي أنه ترك الكثيرات واختارك أنتِ، بالإضافة لتلك الغيرة القاتلة سيصبح الأمر مأساة كبيرة حقًا.

وإن حدثت المعجزة وتغير وهو أمرًا مستحيلًا ولن يحدث من تلقاء نفسه بل يلزم تدخل خارجي ومن مختص وذلك يتطلب أولًا أن يشعر أنه يعاني من مشكلة وهذا غير معقول، وإن حدث ذلك، فإلى أن يحدث يكون قد حدث الكثير مما لايحمد عقباه.

مرت أيام الإجازة تلك حتى استعادت مها صحتها وعادت لعملها من جديد ربما لا تزال مرهقة وأثر شحوب المرض على وجهها.

وما أن وصلت ونزلت من سيارتها حتى وجدت من ينادي عليها ولم يكن سوى الدكتور حسن الذي لا تدري من أين أتى لها وتمنت لو تختفي من أمامه لكنها تصنعت ابتسامة لم تصل إلى عينيها.

قال حسن: حمد لله على سلامتك آنسة مها!

– شكرًا.

– كيف حالك الآن؟ أتمنى أن تكوني بخير!

– الحمد لله بخير.

– لو تأذني لي آنسة مها في ساعة الراحة أن نتقابل ونتحدث في أمر شخصي؟!

كورت مها فمها غيظا وودت لو تلكمه الآن لكنها أخيرًا نجحت في كتم غضبها فتنفست بعمق وقالت بهدوء مصطنع: دكتور حسن! أشكرك كثيرًا على مجهوداتك معي أثناء مرضي، لكن معذرةً فليس هناك أي موضوع شخصي يجمعنا أو سيجمعنا لأجلس معك وأتحدث بخصوصه.

– لكن لوالدتك رأي آخر…

– لا علاقة لي بوالدتي، أنت طلبت مني أن تحدثني في أمر شخصي ولا يوجد مثل ذلك بيننا، إن كان هناك أمرًا بينك وبين أمي فذلك يخصكما وبعيدًا كل البعد عني، أظن أن الكلام واضح، معذرةً إنه موعد العمل.

ثم تركته مبتعدة بسرعة مخللة يدها في شعرها كأنما تحاول أن تخلخل الهواء بداخل رأسها التي ازدادت حرارة من شدة الغضب.

لكن تلك الحركة قد زادتها جاذبية رغم وجهها المرهق وكان يتابعها ويمشي خلفها جلال فقد كان في سيارته و رأى وسمع كل ما دار بينها وبين حسن.

وبعد أن دخلت رن هاتفها فنظرت فيه وابتسمت ابتسامتها الساحرة تلك التي أنارت وجهها وأظهرت غمازاتاها فردت في سعادة شديدة ثم اتجهت لتخرج من باب الشركة الذي على الطريق لكن بينما هي تخرج مسرعة اصطدمت بجلال الذي كان خلفها وبدون اهتمام رفعت يدها وأومأت برأسها معتذرة وأكملت خطاها ووقفت بالخارج تكمل مكالمتها.

لا يدري جلال شعوره وقتها إن كان سعد بذلك التصادم أم غضب لعدم اكتراثها به فلم تعرفه حتى الآن بل لم تراه أصلًا.

لكنه وقف متابعًا لها ولطريقتها في الكلام بتلقائية ولضحكتها الرائعة تلك ولبعض الحركات الطفولية التي تحدثها، حتى إن امرأة مرت من جانبها بطفلٍ فضحكت وأشارت له مداعبة ثم سندت هاتفها برقبتها وبحثت في حقيبتها وأخرجت بالونة ثم أشارت إليه وأشار إليها بسعادة ولازالت تكمل حديثها تُرى مع من تتحدث بهذه السعادة في ذلك الصباح الباكر!

أنهت مكالمتها ودخلت مسرعة فمرت مجددًا جواره ولازالت لا تلاحظه وكان ياسين ونهى قد قدما ويسيران بأيدٍ متشابكة فأسرعت نحوهما مها وعانقت نهى بسعادة غمرت الصديقتين وسلّمت على ياسين ووقفت تتحدث معهما بمزاحٍ وأريحية شديدة.

كان جلال يتابع ذلك ويشعر بغيظٍ شديد خاصةً وأن عيون الجميع مسلطةً عليها وهذا يناديها فتبتسم له وهذا يلقي عليها الصباح فتشير له فلو نزع نظارته الشمسية الآن لربما أحرق بناظريه الجميع.

وكان ياسين يرى أخيه عن بعد وقد قرأ الغضب والغيرة الشديدة، بعد قليل نظرت مها في ساعتها وكانت قد قاربت على التاسعة موعد بداية العمل فأشارت لساعتها وهي تستأذن وتتراجع بظهرها لتذهب لعملها الذي يبدأ في التاسعة تمامًا فإصطدمت مرة أخرى بجلال لكنها أكملت سيرها هذه المرة.

NoonaAbdElWahed

(الفصل السادس)

بقلم:نهال عبد الواحد

بعد أن تركتهما مها ذهبا معًا نحو المكتب وكأنهما لم يريا جلال فتبعهما حتى وصلوا جميعًا إلى المكتب حيث مكتب نهى أولًا ومنه لغرفتين كبيرتين لجلال وياسين لكلٍ منهما بابين باب يطل على مكتب السكرتارية وآخر يطل للخارج.

وبمجرد وصول ثلاثتهم صاح جلال بغضب: كيف تسمح لنفسك أن تهبط لمستوى موظفيك وتنزع الحدود بينك وبينهم هكذا؟!

كان ياسين يقرأ الغيرة الشديدة في عينيّ أخيه لكن تصنّع عدم الفهم ورد بهدوء: ماذا جرى يا أخي؟!

– تلك التي تسمي مها، كيف تسمح لها أن تتعامل معك هكذا وتنزع حدود اللياقة بتلك الطريقة وكأنك شخص عادي وليس مدير وصاحب الشركة؟!

– أنت تعلم جيدًا أني لا ءأبه بمثل تلك الأمور الشكلية، رغم أنها لم تحدث إطلاقًا أن يتعدى أحد الموظفين حدوده معي.

– كيف لك أن تتعامل معها بمزح وأريحية وأمام الجميع حتى أمام زوجتك؟!

أجابت نهى: هي صديقتي والأمر بيننا عادي وتلقائي.

تنهد ياسين قائلًا: أخي! الفتاة لم تتعدى حدودها هي طبيعتها هكذا وقد كانت مريضة ومتغيبة منذ أسبوع وقد افتقدناها كثيرًا، هي صديقة نهى المقربة وأنا بمثابة أخٍ كبير لها.

صاح جلال: افتقدتاها!

وتركهم ودخل مكتبه وهو يردد الكلمة ونظر كلًا من نهى وياسين لبعضهما البعض بابتسامة فقد صارت غيرته الشديدة واضحة للغاية لكن ابتسامتهما كان يشوبها التخوفات من طباعه الأليمة تلك ثم ذهب كلاهما لعمله بقلة حيلة.

بينما دخل جلال يحدث نفسه ويعيد متمتمًا «افتقداها! بل الجميع افتقدها! ألم تنظر لنظرة الجميع نحوها وتلك السلامات والإشارات! فلو كان الأمر بيدي لوضعتك في قمقم لا يعلم طريقه غيري، فليس من حق أي شخص أن يفتقدك أو يشتاق إليك غيري.»

ثم دخل للحمام الخاص ينظر لنفسه في المرآة متفقدًا حاله متلفتًا يمينًا ويسارًا، يبدو أنيقًا كما هو! ثم نظر لوجهه ولتصفيفة شعره فكل شيء على ما يرام، إذن فلماذا لم تنتبه إليّ حتى الآن؟! كيف لم تعرف حتى الآن أني المدير؟!
كيف حتى لم يلفت انتباهها وسامتي ولا أناقتي؟!
هل أنا ضئيل الحجم فلم تريني؟!
أم يلزم أن أرتدي لونا فاقعًا بدلا من هذا اللون الأسود؟!
أخي يرتدي ألوانًا فاتحة دائمًا لكني لا أحب سوى الأسود.
هل أغيّر من قصة شعري أجعله قصيرا مثله؟!
لم ينقصني إلا أن أمسك بيدي مصباحٍ كبير ليوقد في عينيها فتراني…

وخرج من الحمام زافرًا متأففًا وجلس على مكتبه ولازال يحدث نفسه ثم دخلت نهى بالقهوة.

أومأ جلال: ضعيها وانصرفي، شكرًا.

فوضعتها وانتبهت فجأة صائحة: قلت ماذا؟!

فنظر لها دون رد بحنقٍ شديد فهمّت بالخروج فنادى عليها مجددًا: نهى! أراكي تعرفين صديقتك جيدًا!

– أجل، فهي صديقة المدرسة فلم نفترقا إلا أيام الجامعة.

– إذن تعرفيها جيدًا!

– أجل، هي إنسانة جميلة وعلى خُلق.

– هل يمكن أن يكون لها صديق أو حبيب؟

– معذرةً لم أفهم السؤال.

قالتها بتفاجؤ فصاح جلال: السؤال واضح! هل لها صديق؟

– مها اجتماعية بطبعها ولها العديد من المعارف والصداقات لكن لا يمكن لأحدهم أن يتعدى حدوده معها.

فأومأ برأسه شاردًا ثم تنحنح وسألها يترقب: هل لها حبيب مثلًا؟

– مثل هذه الأمور لا يمكن التحدث فيها فهي أمورًا خاصة، معذرةً سيدي.

فصاح جلال: إذن اذهبي!

وبعد أن انصرفت لازال يحدث نفسه ليس لها صديق إذن فمع من كانت تتحدث بتلك السعادة؟
مهلًا! نهى لم تنفي كون لديها حبيب، إذن لديها حبيب! وكيف شكله يا ترى؟
هل هو أفضل مني مثلًا؟ أم ماذا؟!
إهدأ جلال! ماذا دهاك؟! لماذا كل هذه التساؤلات ولا هذا الاهتمام؟
هل أحببتها؟ بالطبع لا، هو مجرد فضول -هكذا يقنع نفسه-

وبعد قليل بينما نهى جالسة في مكتبها إذ نادى عليها جلال بغضبٍ شديد فانطلقت مسرعةً نحو مكتب زوجها الذي تفاجأ بها وبهيئتها.

فنهض واقفًا وسألها بفزع: ما الخطب؟

– لقد طلبني جلال بصوت غاضب، وكنتُ أريدك أن تدخل معي؛ فصوته مخيف!

رفع ياسين حاجبه في تعجب وقال: كأني أسمع جودي أو تيم! إذهبي واتركيني لدي عمل كثير.

– لكن…….

وهنا دخل جلال وقال مقاطعًا: جميل! أنا أنادي وأنتما في لقاءٍ غرامي هنا.

تنحنح ياسين قائلًا: لا يا أخي، كنت أخبرها أن تتركني توًا لأن لدي الكثير من الأعمال.

فنظرت لياسين بتوعد فضحك منها، فنظر جلال بينهما وقد فهم الموقف ثم قال: هل تعلمي؟ إن لم تتبعيني وفورًا فاعتبري نفسك مفصولة تمامًا من العمل، وقبل تركك للعمل عليكِ الإعلان عن سكرتيرة جديدة وبمواصفاتٍ محددة، وويلك مني إن لم تكن على مايرام.

وانصرف فاضطرت للحاق به بتأفف ولازالت تنظر لزوجها بتوعد وهو يضحك على هيئتها ثم أكمل عمله.

وداخل مكتب جلال.
تحدث جلال بعملية: هذه الرسالة قد وصلتني توًا، أريد ترجمته.

وما أن رأته نهى حتى وجمت وفتحت فاها ببلاهة ثم قالت بنفس البلاهة: ما هذا؟

– رسالة من الشركة الصينية وقد أرسلته باللغة الصينية، إذن ترجمي!

– أعتذر منك، لكننا اعتدنا منهم إرسال رسائل مترجمة!

– ليس لدي إجابة مناسبة، ماذا تنتظري؟ أم تريديني أرسل لهم بأننا لا نفهم أرسلوه لنا مترجم؟!

– معذرةً سيدي، لكني لا أعرف الصينية.

– لا يهمني سوى أن أجد هذه الرسالة مترجمة، تصرفي ولا تسأليني كيف؟ أريده مترجمًا وشخص يجيد الصينية تحت الطلب هذه الأيام.

– لكن….

فصاح فيها: اذهبي وتصرَفي!

انصرفت نهى من أمامه ومضت أيام وهي تبحث بين بيانات الموظفين بالشركة عن من يجيد هذه اللغة فلم تجد، فنشرت خبرًا يفيد بطلب مترجم ولم يتقدم أحد حتى الآن خاصةً وأنها ليست وظيفة مستديمة.

وعلى صعيدٍ آخر زادت ثورة جلال وإلحاحه في هذا الطلب وكيف قد تأخر تنفيذ أمره حتى الآن وهو كعادته يريد الأمر كن فيكون بغض النظر عن أي ظروف أو عن قدرات من أمامه وما إن كان الأمر يتطلب وقتًا.

وكانت نهى لم تقابل مها منذ زمنٍ؛ فقد وُضعت في حالة طوارئ مستمرة، وذات يوم قد زارتها مها في مكتبها في وقت ساعة الراحة فسلمت عليها وتعانقتا.

تحدثت مها بشوق: أين أنتِ؟ لم أراكي منذ زمن؟

– مشغولة للغاية، فالسيد جلال قد رفع درجة الطوارئ لأقصى درجة.

– لماذا؟

وهنا جاء ياسين يحدث نهى: ألم يظهر متر…..
ثم بتر جملته عندما وجد مها فقال: أهلًا مها كيف حالك؟

– الحمد لله، يبدو أن زيارتي الآن غير مناسبة!

أومأ ياسين: ليس الأمر كذلك، إنما هو موضوع عصيب- ثم التفت نحو نهى وسألها- نهى ظهر مترجم؟

أومأت نهى في ضيق: لا لا لا ! لم يظهر أحد! يبدو أني سأنشر إعلان عن سكرتيرة جديدة وأقدم إستقالتي أسهل.

عقدت مها حاجبيها بتعجب قائلة: مهلًا مهلًا! إهدئي حبيبتي! ماذا جرى لكل هذا؟

فتحدث ياسين: شركة صينية قد أرسلت إلينا رسالة غير مترجمة وهي باللغة الصينية ولا نجد من يفهم أو يترجم.

قالت مها بابتسامة: بسيطة، إحضروه لي وسأترجمه لكم.

فوجم اثنانتهما فقالت نهى: هل تعرفين الصينية؟

أومأت مها بثقة: أجل، ما خطبكما تقفان ببلاهة؟!
ثم تنحنحت قائلة على استحياء: عفوًا سيدي لا أقصد، لكن هيئتكما تبدو عجيبة بعض الشيء.

جز ياسين على أسنانه وسألها بغضبٍ مكتوم: إذن تعرفين الصينية!

– أجل سيدي، أنا قد درست بعض الدورات التدريبية لبعض اللغات عديمة فائدة وكانت الصينية منهم.

– بعض اللغات عديمة الفائدة! لكن ملفك الخاص لا يحتوي على أي شيء!

-أجل لم أضيفها؛ فقد رأيت أني قد أضعت وقتي في تعلم ما لا فائدة له.

أمسك ياسين رأسه بإحباط وصاح: وا رأساه! سأُجلط بسببك، يا آنسة ضيفي كل ما تعلمتيه في ملفك..
ثم زفر قائلًا: تقول لغات عديمة الفائدة!

أجابت مها: لكني لست ماهرة في الصينية.

– راضيًا بعدم مهارتك هذه حتى ولو تهتهة.

كانت مها تحاول كتم ضحكتها ثم قالت: ليست لدرجة تهتهة لكنها ليست على مستوى عالٍ، حسنًا حسنًا أعطيني ذلك الذي ترغبين في ترجمته يا نهى.

أجابت نهى: هو في مكتب السيد جلال.

– إذن احضريه لأترجمه وننهي هذه القصة.

فرفعت نهى سماعة الهاتف الداخلي واتصلت بجلال وتحدثت بعملية: مرحبًا سيدي…… أجل أجل وجدته…. حالًا.

وضعت نهى السماعة ثم نظرت بينهما قائلة: السيد جلال في انتظارك.

NoonaAbdElWahed(المعجبة المهووسة)
الفصل الخامس

بقلم:نهال عبد الواحد

وذات يوم في الصباح الباكر استيقظت نهى على صوت اتصالٍ من هاتفها فردت بعينٍ نائمة: مرحبًا! من المتصل؟ أهلًا كيف حالك؟ حسنًا سأقدم لها إجازة…. ألف سلامة عليها… مع السلامة.

فاستيقظ ياسين وقال: إجازة! ما الخطب؟

– هي خالتي أم مها، إن مها مريضة، مصابة بقئ مستمر مع حمى شديدة، وخالتي فاتن تصنع لها الكمادات لتخفض تلك الحرارة وتذهب بها إلى المستشفى وقد طلبت مني أجازة.

– وهل من حسن التصرف إنتظار الحرارة حتى تنخفض ثم تذهب إلى المستشفى؟!

– ماذا بيدها وهي وحدها؟ لقد سافر أخوها.

– سأتصل بطبيب الشركة ونذهب به لفحصها وحتى تُقدم لها إجازة مرضية.

– كنتُ أود أن أطلب منك هذا الطلب لكن…..

ياسين: كأنك تحرّجتي مثلًا!

فضربته على كتفه ضربة خفيفة فضحكا وضمها إليه في دعابة.

ذهب ياسين ونهى ومعهما الطبيب لمنزل مها وقد تفاجئت بهم فاتن أم مها فرحبت بهم، دخل الطبيب وفحصها وكانت مها تعاني من نزلة معوية شديدة فقام بإعطاءها بعض المحاليل والحقن ثم أحضر العلاج حيث لا يوجد من ينزل لشراءه.

مضت أيام ومها بالفعل في إجازة مرضية وبدأت تتحسن يومًا بعد يوم وكانت نهى تذهب لزيارتها يوميًا ولم يعد يمانع ياسين فقد عرف مها جيدًا ووثق فيها كما تعرّف على والدتها واستراح لها أيضًا وتأكد من عدم وجود رجال لديهما.

بالطبع لم يخفى غياب مها عن جلال وكالعادة ثار ثورته ونادى على نهى التي بدورها نادت على زوجها ليدخل معها عند جلال.

فنظر جلال لأخيه وقال: وأنت جئت حارسًا أم محاميًّا يا ترى؟!

فسكت ياسين ولم يعقّب فأكمل جلال: من تُدعى مها تلك لم تعد تحضر، ترى لماذا؟ هل صارت تكية؟ أم كل من هنا يمشي حسب هواه؟!

فأجابت نهى بضيق: بل هي مريضة قد أصيبت بنزلة شديدة وقد قدمت لإجازة مرضية، حتى أن دكتور حسن طبيب الشركة هو من فحصها وكتب الإجازة إن أردت التأكد!

أومأ جلال بضيق: بالطبع سأتأكد.

وما أن أمسك جلال بسماعة الهاتف الداخلي حتى سمعوا طرقًا وقد كان دكتور حسن الذي دخل ملقيًّا التحية.

ابتسم جلال على مضض ثم تحدث: عظيم! كنت أريدك لأسألك عن أمر ما.

أومأ حسن باستكانة: تحت أمرك سيدي.

– لدينا موظفة هنا متغيبة منذ أسبوع.

– مؤكد حضرتك تقصد الآنسة مها.

– أجل!

– كن مطمئنًا سيدي، لقد فحصتها وأتابع حالتها بنفسي، لكن كنتُ أرغب في محادثتك في أمر ما!

فنظر نحوه الجميع دون تعليق، ابتلع حسن ريقه متوترًا وأكمل: حقيقةً بعد متابعتي للآنسة مها ومعرفتي بها وبوالدتها الكريمة -تردد قليلًا ثم أكمل- صراحةً قد أُعجبت بها أقصد بأخلاقها.

فقاطعه ياسين بحدة: مهلًا! كيف عرفت كل ذلك؟ هل عرفته وأنت تفحصها مثلًا؟!

أومأ حسن: بالطبع لا، لكني أدركت أنها قريبتكم فكنت أزورها يوميًا لمتابعة الحالة وأطمأن عليها بنفسي، وشعرت بالقبول فجئتُ لأتقدم لخطبتها.

صاحت نهى بذهول: قبول! أي قبول الذي تتحدث عنه؟! هل مها قالتلك ذلك بنفسها؟!

أومأ حسن رافضًا ومتسعة ابتسامته: لا لا، لم أتقابل معها فكلما ذهبت وجدتها نائمة، لكني كنت أجلس مع والدتها التي سعدت بي ورحبت بي تمامًا.

فصاح ياسين بغضبٍ: ومن سمح لك بالزيارة اليومية؟ لقد ذهبتُ بك في مهمةٍ محددة وليس لتقضيها ذهابًا وإيابًا.

أجاب حسن: كنتُ أريد إتمام عملي على خير قيام خاصةً وهي قريبتكم ويلزم إكرامها.

فاندفع جلال ثائرًا: وما خصك إن كانت قريبتنا أم لا؟ ومن أخبرك بذلك الأمر أصلًا؟ ثم من أخبرك أني خاطبة؟! أقادم إليّ لتخطبها مني! يا لك من غبي! ومن تكون أنت لتسمح لنفسك بالتحدث معي في أمر كهذا؟ أنت مجرد موظف هنا وغير مسموح إطلاقًا أن تتعدى حدودك.

تحدث حسن بخوف: سيدي!

فصاح جلال بغضب شديد: قلتُ غير مسموح أن تتعدى حدودك، إختفِي الآن من أمامي! اذهب!

فخرج حسن مسرعًا خائفًا من ذلك الإعصار الرهيب دون أن يفهم أي شيء، بينما ظل جلال يثور ويثور وغضبه يزداد ويزداد فتركاه ياسين ونهى وذهبا خارج مكتبه.

خرج ياسين يضرب كفًا بكفٍ كعادته فغضب جلال هذه المرة ليس مجرد غضبًا عابرًا بل هو غضب ممزوج بغيرة شديدة.

التفت ياسين نحو نهى قائلًا بضيق: لقد كنتِ محقة، هذه غيرة والله غيرة! وليست أي غيرة، ليته يأخذ خطوة جدية ليرتاح ونرتاح جميعًا.

– بدأت أقلق على مها منه، فمن مثله يحب دون أن يدري، فلم يقتنع بعد وحتى إن اقتنع فذلك يحتاج لمعجزة، وإن تخطينا ذلك الأمر فهو لا يحب كمحب بل هو حب للتملك فإن اقتنع أنه يحبها فهذا بالنسبة له أنها ملكه ومها لن تقبل نهائيًا بذلك، إن مها عنيدة ولها عقلها وتفكيرها وتكره من يقيدها، مها على نقيضه تمامًا في كل شيء، ذلك غير قصة حبها الوهمية تلك التي غمست نفسها فيها، ماذا لو علم أنها تحب غيره أو ترفضه! إنها حرب أخرى بل كارثة!

فنظر لها ياسين دون رد فكلامها رغم أنه يحمل الكثير من الحقائق خاصةً التي تخص طبيعة شخصية جلال من حيث حب التملك فإن أحبها حقًا فسيمتلكها دون أن ينظر أو يراعي رغباتها ومقتنعاتها ولن يهتم برؤيتها وقرارها ولن يصبر حتى تفكر مثلًا أو تعطي تفسيرًا لأمرٍ ما أو تبريرًا لفعل ما بل سيسرع في الحكم وكأنه قد منّ عليها أن أحبها وتحرك إحساسه لها وتلك نعمة كبيرة عليها أن تشكر ربها عليها صباحًا ومساءً، بالطبع هي وجهة نظره، فيكفي أنه ترك الكثيرات واختارك أنتِ، بالإضافة لتلك الغيرة القاتلة سيصبح الأمر مأساة كبيرة حقًا.

وإن حدثت المعجزة وتغير وهو أمرًا مستحيلًا ولن يحدث من تلقاء نفسه بل يلزم تدخل خارجي ومن مختص وذلك يتطلب أولًا أن يشعر أنه يعاني من مشكلة وهذا غير معقول، وإن حدث ذلك، فإلى أن يحدث يكون قد حدث الكثير مما لايحمد عقباه.

مرت أيام الإجازة تلك حتى استعادت مها صحتها وعادت لعملها من جديد ربما لا تزال مرهقة وأثر شحوب المرض على وجهها.

وما أن وصلت ونزلت من سيارتها حتى وجدت من ينادي عليها ولم يكن سوى الدكتور حسن الذي لا تدري من أين أتى لها وتمنت لو تختفي من أمامه لكنها تصنعت ابتسامة لم تصل إلى عينيها.

قال حسن: حمد لله على سلامتك آنسة مها!

– شكرًا.

– كيف حالك الآن؟ أتمنى أن تكوني بخير!

– الحمد لله بخير.

– لو تأذني لي آنسة مها في ساعة الراحة أن نتقابل ونتحدث في أمر شخصي؟!

كورت مها فمها غيظا وودت لو تلكمه الآن لكنها أخيرًا نجحت في كتم غضبها فتنفست بعمق وقالت بهدوء مصطنع: دكتور حسن! أشكرك كثيرًا على مجهوداتك معي أثناء مرضي، لكن معذرةً فليس هناك أي موضوع شخصي يجمعنا أو سيجمعنا لأجلس معك وأتحدث بخصوصه.

– لكن لوالدتك رأي آخر…

– لا علاقة لي بوالدتي، أنت طلبت مني أن تحدثني في أمر شخصي ولا يوجد مثل ذلك بيننا، إن كان هناك أمرًا بينك وبين أمي فذلك يخصكما وبعيدًا كل البعد عني، أظن أن الكلام واضح، معذرةً إنه موعد العمل.

ثم تركته مبتعدة بسرعة مخللة يدها في شعرها كأنما تحاول أن تخلخل الهواء بداخل رأسها التي ازدادت حرارة من شدة الغضب.

لكن تلك الحركة قد زادتها جاذبية رغم وجهها المرهق وكان يتابعها ويمشي خلفها جلال فقد كان في سيارته و رأى وسمع كل ما دار بينها وبين حسن.

وبعد أن دخلت رن هاتفها فنظرت فيه وابتسمت ابتسامتها الساحرة تلك التي أنارت وجهها وأظهرت غمازاتاها فردت في سعادة شديدة ثم اتجهت لتخرج من باب الشركة الذي على الطريق لكن بينما هي تخرج مسرعة اصطدمت بجلال الذي كان خلفها وبدون اهتمام رفعت يدها وأومأت برأسها معتذرة وأكملت خطاها ووقفت بالخارج تكمل مكالمتها.

لا يدري جلال شعوره وقتها إن كان سعد بذلك التصادم أم غضب لعدم اكتراثها به فلم تعرفه حتى الآن بل لم تراه أصلًا.

لكنه وقف متابعًا لها ولطريقتها في الكلام بتلقائية ولضحكتها الرائعة تلك ولبعض الحركات الطفولية التي تحدثها، حتى إن امرأة مرت من جانبها بطفلٍ فضحكت وأشارت له مداعبة ثم سندت هاتفها برقبتها وبحثت في حقيبتها وأخرجت بالونة ثم أشارت إليه وأشار إليها بسعادة ولازالت تكمل حديثها تُرى مع من تتحدث بهذه السعادة في ذلك الصباح الباكر!

أنهت مكالمتها ودخلت مسرعة فمرت مجددًا جواره ولازالت لا تلاحظه وكان ياسين ونهى قد قدما ويسيران بأيدٍ متشابكة فأسرعت نحوهما مها وعانقت نهى بسعادة غمرت الصديقتين وسلّمت على ياسين ووقفت تتحدث معهما بمزاحٍ وأريحية شديدة.

كان جلال يتابع ذلك ويشعر بغيظٍ شديد خاصةً وأن عيون الجميع مسلطةً عليها وهذا يناديها فتبتسم له وهذا يلقي عليها الصباح فتشير له فلو نزع نظارته الشمسية الآن لربما أحرق بناظريه الجميع.

وكان ياسين يرى أخيه عن بعد وقد قرأ الغضب والغيرة الشديدة، بعد قليل نظرت مها في ساعتها وكانت قد قاربت على التاسعة موعد بداية العمل فأشارت لساعتها وهي تستأذن وتتراجع بظهرها لتذهب لعملها الذي يبدأ في التاسعة تمامًا فإصطدمت مرة أخرى بجلال لكنها أكملت سيرها هذه المرة.

(الفصل السادس)

بعد أن تركتهما مها ذهبا معًا نحو المكتب وكأنهما لم يريا جلال فتبعهما حتى وصلوا جميعًا إلى المكتب حيث مكتب نهى أولًا ومنه لغرفتين كبيرتين لجلال وياسين لكلٍ منهما بابين باب يطل على مكتب السكرتارية وآخر يطل للخارج.

وبمجرد وصول ثلاثتهم صاح جلال بغضب: كيف تسمح لنفسك أن تهبط لمستوى موظفيك وتنزع الحدود بينك وبينهم هكذا؟!

كان ياسين يقرأ الغيرة الشديدة في عينيّ أخيه لكن تصنّع عدم الفهم ورد بهدوء: ماذا جرى يا أخي؟!

– تلك التي تسمي مها، كيف تسمح لها أن تتعامل معك هكذا وتنزع حدود اللياقة بتلك الطريقة وكأنك شخص عادي وليس مدير وصاحب الشركة؟!

– أنت تعلم جيدًا أني لا ءأبه بمثل تلك الأمور الشكلية، رغم أنها لم تحدث إطلاقًا أن يتعدى أحد الموظفين حدوده معي.

– كيف لك أن تتعامل معها بمزح وأريحية وأمام الجميع حتى أمام زوجتك؟!

أجابت نهى: هي صديقتي والأمر بيننا عادي وتلقائي.

تنهد ياسين قائلًا: أخي! الفتاة لم تتعدى حدودها هي طبيعتها هكذا وقد كانت مريضة ومتغيبة منذ أسبوع وقد افتقدناها كثيرًا، هي صديقة نهى المقربة وأنا بمثابة أخٍ كبير لها.

صاح جلال: افتقدتاها!

وتركهم ودخل مكتبه وهو يردد الكلمة ونظر كلًا من نهى وياسين لبعضهما البعض بابتسامة فقد صارت غيرته الشديدة واضحة للغاية لكن ابتسامتهما كان يشوبها التخوفات من طباعه الأليمة تلك ثم ذهب كلاهما لعمله بقلة حيلة.

بينما دخل جلال يحدث نفسه ويعيد متمتمًا «افتقداها! بل الجميع افتقدها! ألم تنظر لنظرة الجميع نحوها وتلك السلامات والإشارات! فلو كان الأمر بيدي لوضعتك في قمقم لا يعلم طريقه غيري، فليس من حق أي شخص أن يفتقدك أو يشتاق إليك غيري.»

ثم دخل للحمام الخاص ينظر لنفسه في المرآة متفقدًا حاله متلفتًا يمينًا ويسارًا، يبدو أنيقًا كما هو! ثم نظر لوجهه ولتصفيفة شعره فكل شيء على ما يرام، إذن فلماذا لم تنتبه إليّ حتى الآن؟! كيف لم تعرف حتى الآن أني المدير؟!
كيف حتى لم يلفت انتباهها وسامتي ولا أناقتي؟!
هل أنا ضئيل الحجم فلم تريني؟!
أم يلزم أن أرتدي لونا فاقعًا بدلا من هذا اللون الأسود؟!
أخي يرتدي ألوانًا فاتحة دائمًا لكني لا أحب سوى الأسود.
هل أغيّر من قصة شعري أجعله قصيرا مثله؟!
لم ينقصني إلا أن أمسك بيدي مصباحٍ كبير ليوقد في عينيها فتراني…

وخرج من الحمام زافرًا متأففًا وجلس على مكتبه ولازال يحدث نفسه ثم دخلت نهى بالقهوة.

أومأ جلال: ضعيها وانصرفي، شكرًا.

فوضعتها وانتبهت فجأة صائحة: قلت ماذا؟!

فنظر لها دون رد بحنقٍ شديد فهمّت بالخروج فنادى عليها مجددًا: نهى! أراكي تعرفين صديقتك جيدًا!

– أجل، فهي صديقة المدرسة فلم نفترقا إلا أيام الجامعة.

– إذن تعرفيها جيدًا!

– أجل، هي إنسانة جميلة وعلى خُلق.

– هل يمكن أن يكون لها صديق أو حبيب؟

– معذرةً لم أفهم السؤال.

قالتها بتفاجؤ فصاح جلال: السؤال واضح! هل لها صديق؟

– مها اجتماعية بطبعها ولها العديد من المعارف والصداقات لكن لا يمكن لأحدهم أن يتعدى حدوده معها.

فأومأ برأسه شاردًا ثم تنحنح وسألها يترقب: هل لها حبيب مثلًا؟

– مثل هذه الأمور لا يمكن التحدث فيها فهي أمورًا خاصة، معذرةً سيدي.

فصاح جلال: إذن اذهبي!

وبعد أن انصرفت لازال يحدث نفسه ليس لها صديق إذن فمع من كانت تتحدث بتلك السعادة؟
مهلًا! نهى لم تنفي كون لديها حبيب، إذن لديها حبيب! وكيف شكله يا ترى؟
هل هو أفضل مني مثلًا؟ أم ماذا؟!
إهدأ جلال! ماذا دهاك؟! لماذا كل هذه التساؤلات ولا هذا الاهتمام؟
هل أحببتها؟ بالطبع لا، هو مجرد فضول -هكذا يقنع نفسه-

وبعد قليل بينما نهى جالسة في مكتبها إذ نادى عليها جلال بغضبٍ شديد فانطلقت مسرعةً نحو مكتب زوجها الذي تفاجأ بها وبهيئتها.

فنهض واقفًا وسألها بفزع: ما الخطب؟

– لقد طلبني جلال بصوت غاضب، وكنتُ أريدك أن تدخل معي؛ فصوته مخيف!

رفع ياسين حاجبه في تعجب وقال: كأني أسمع جودي أو تيم! إذهبي واتركيني لدي عمل كثير.

– لكن…….

وهنا دخل جلال وقال مقاطعًا: جميل! أنا أنادي وأنتما في لقاءٍ غرامي هنا.

تنحنح ياسين قائلًا: لا يا أخي، كنت أخبرها أن تتركني توًا لأن لدي الكثير من الأعمال.

فنظرت لياسين بتوعد فضحك منها، فنظر جلال بينهما وقد فهم الموقف ثم قال: هل تعلمي؟ إن لم تتبعيني وفورًا فاعتبري نفسك مفصولة تمامًا من العمل، وقبل تركك للعمل عليكِ الإعلان عن سكرتيرة جديدة وبمواصفاتٍ محددة، وويلك مني إن لم تكن على مايرام.

وانصرف فاضطرت للحاق به بتأفف ولازالت تنظر لزوجها بتوعد وهو يضحك على هيئتها ثم أكمل عمله.

وداخل مكتب جلال.
تحدث جلال بعملية: هذه الرسالة قد وصلتني توًا، أريد ترجمته.

وما أن رأته نهى حتى وجمت وفتحت فاها ببلاهة ثم قالت بنفس البلاهة: ما هذا؟

– رسالة من الشركة الصينية وقد أرسلته باللغة الصينية، إذن ترجمي!

– أعتذر منك، لكننا اعتدنا منهم إرسال رسائل مترجمة!

– ليس لدي إجابة مناسبة، ماذا تنتظري؟ أم تريديني أرسل لهم بأننا لا نفهم أرسلوه لنا مترجم؟!

– معذرةً سيدي، لكني لا أعرف الصينية.

– لا يهمني سوى أن أجد هذه الرسالة مترجمة، تصرفي ولا تسأليني كيف؟ أريده مترجمًا وشخص يجيد الصينية تحت الطلب هذه الأيام.

– لكن….

فصاح فيها: اذهبي وتصرَفي!

انصرفت نهى من أمامه ومضت أيام وهي تبحث بين بيانات الموظفين بالشركة عن من يجيد هذه اللغة فلم تجد، فنشرت خبرًا يفيد بطلب مترجم ولم يتقدم أحد حتى الآن خاصةً وأنها ليست وظيفة مستديمة.

وعلى صعيدٍ آخر زادت ثورة جلال وإلحاحه في هذا الطلب وكيف قد تأخر تنفيذ أمره حتى الآن وهو كعادته يريد الأمر كن فيكون بغض النظر عن أي ظروف أو عن قدرات من أمامه وما إن كان الأمر يتطلب وقتًا.

وكانت نهى لم تقابل مها منذ زمنٍ؛ فقد وُضعت في حالة طوارئ مستمرة، وذات يوم قد زارتها مها في مكتبها في وقت ساعة الراحة فسلمت عليها وتعانقتا.

تحدثت مها بشوق: أين أنتِ؟ لم أراكي منذ زمن؟

– مشغولة للغاية، فالسيد جلال قد رفع درجة الطوارئ لأقصى درجة.

– لماذا؟

وهنا جاء ياسين يحدث نهى: ألم يظهر متر…..
ثم بتر جملته عندما وجد مها فقال: أهلًا مها كيف حالك؟

– الحمد لله، يبدو أن زيارتي الآن غير مناسبة!

أومأ ياسين: ليس الأمر كذلك، إنما هو موضوع عصيب- ثم التفت نحو نهى وسألها- نهى ظهر مترجم؟

أومأت نهى في ضيق: لا لا لا ! لم يظهر أحد! يبدو أني سأنشر إعلان عن سكرتيرة جديدة وأقدم إستقالتي أسهل.

عقدت مها حاجبيها بتعجب قائلة: مهلًا مهلًا! إهدئي حبيبتي! ماذا جرى لكل هذا؟

فتحدث ياسين: شركة صينية قد أرسلت إلينا رسالة غير مترجمة وهي باللغة الصينية ولا نجد من يفهم أو يترجم.

قالت مها بابتسامة: بسيطة، إحضروه لي وسأترجمه لكم.

فوجم اثنانتهما فقالت نهى: هل تعرفين الصينية؟

أومأت مها بثقة: أجل، ما خطبكما تقفان ببلاهة؟!
ثم تنحنحت قائلة على استحياء: عفوًا سيدي لا أقصد، لكن هيئتكما تبدو عجيبة بعض الشيء.

جز ياسين على أسنانه وسألها بغضبٍ مكتوم: إذن تعرفين الصينية!

– أجل سيدي، أنا قد درست بعض الدورات التدريبية لبعض اللغات عديمة فائدة وكانت الصينية منهم.

– بعض اللغات عديمة الفائدة! لكن ملفك الخاص لا يحتوي على أي شيء!

-أجل لم أضيفها؛ فقد رأيت أني قد أضعت وقتي في تعلم ما لا فائدة له.

أمسك ياسين رأسه بإحباط وصاح: وا رأساه! سأُجلط بسببك، يا آنسة ضيفي كل ما تعلمتيه في ملفك..
ثم زفر قائلًا: تقول لغات عديمة الفائدة!

أجابت مها: لكني لست ماهرة في الصينية.

– راضيًا بعدم مهارتك هذه حتى ولو تهتهة.

كانت مها تحاول كتم ضحكتها ثم قالت: ليست لدرجة تهتهة لكنها ليست على مستوى عالٍ، حسنًا حسنًا أعطيني ذلك الذي ترغبين في ترجمته يا نهى.

أجابت نهى: هو في مكتب السيد جلال.

– إذن احضريه لأترجمه وننهي هذه القصة.

فرفعت نهى سماعة الهاتف الداخلي واتصلت بجلال وتحدثت بعملية: مرحبًا سيدي…… أجل أجل وجدته…. حالًا.

وضعت نهى السماعة ثم نظرت بينهما قائلة: السيد جلال في انتظارك.

 

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان