رواية ” العوض الجميل ” الفصول من العشرون إلى الثالث والعشرون للأديبة نهال عبد الواحد

الفصل العشرون

وذات يوم قد تأخر وليد كثيرًا ولم يعد إلا في المساء وكان متعب للغاية بينما هالة وشفق تجلسان أمام التلفاز في حين سها تجلس عن بعد ويبدو أنها تتحدث مع شخص ما بمحادثة الكترونية.

دخل وليد منهكًا فسلم على أمه وشفق وارتمى على إحدى الكراسي.

سألته شفق بلهفة: إتأخرت كده ليه؟

– الشغل كان كتير وهلكت، آاه!

قالت هالة: الله يقويك يا حبيبي! أخليهم بأه يحضروا الأكل، شفق ما رضيتش تاكل ومستنياك، وشكلك إنت كمان ما كلتش حاجة.

أومأ وليد: لا لا أنا مش قادر، عايز أنام! عايز حد يشيلني، كان إيه اللي قعدني! آه مش قادر أمشي أصلًا.

فنهضت شفق واتجهت ناحية المطبخ، فقال وليد: ما تجهزيش حاجة مش هاكل، كلي إنتِ و ما تستننيش بعد كده.

فابتسمت وأكملت سيرها دون رد فتعجب منها وليد وبعد قليل عادت تحمل طبقًا كبيرًا به ماء دافيء وملح ثم وضعته على الأرض أمام وليد، وضعت وسادة على الأرض ثم جلست عليها، همت بخلع حذاء وليد فجذب قدمه نحوه وصاح مستنكرًا: لا لا هتعملي إيه!

– إستنى بس هريحك.

– لا ما يصحش اللي بتعمليه ده!

– لا، يصح، سيبلي نفسك إنت بس وما لكش دعوة، هريحك.

فاضطر لمجاراتها فخلع حذاءه وجوربه بنفسه وأبى عليها أن تفعل ذلك، رفعت له شفق رجلي بنطاله فوضع قدميه في الماء وبدأت شفق تدلك قدميه برفق وبدأ بالفعل يشعر بالراحة وهو ينظر نحوها بابتسامة عاشق.

كانت سها تتابعهما عن بعد بغيظٍ شديد لكنها كانت تبتسم بشيطنة ترى ماذا تدبر!

وبعد أن انتهت شفق وجففت قدماه بمنشفة همّت أن تقف لتحمل هذا الطبق لكن بمجرد انحناءها لأسفل شعرت بدوار فجائي وكادت أن تسقط فلاحظها وليد فهب مسرعًا نحوها يسندها.

فصاحت هالة: شوفتي قلة الأكل! هقولهم يعملولكم سندوتشات خفيفة.

تحدث وليد وهو يمسح على وجهها: بعد كده كلي وبلاش تقعدي كده من غير أكل.

وبالفعل أكلا ثم تسندا بعضهما لبعض وذهبا إلى النوم.

وفي الصباح بينما كان وليد يتناول الإفطار مع أمه وابنته وشفق قبل ذهابهما إلى المدرسة، كانت شفق تبدو مرهقة وشاحبة الوجه.

قال وليد: ما تأجزي إنهاردة شكلك تعبان.

أومأت شفق: لا يا حبيبي أنا حاسة إني أحسن.

تابعت هالة: طب كلي كويس وتتغدي معانا ولما وليد يرجع إبقى كلي تاني معاه، عشان ما تقعيش حبيبتي.

هتف وليد: إسمعي الكلام!

فأومأت توافقه وابتسمت إليهم فقبل وليد يدها وأطعمها بضع لقيمات في فمها ثم جاءت سيارة المدرسة فسلمت عليهما هي والطفلة وانصرفتا.

وبمجرد أن ركبت شفق السيارة بدأت تشعر بالدوار أكثر وأكثر لكنها تحاملت على نفسها وصمدت لتكمل اليوم لكن بمجرد وصولها للمدرسة أسرعت نحو إحدى الحمامات وتقيأت.

بدأت شفق في تدريس حصصها ولازالت تجاهد مع نفسها حتى سقطت مغشيًا عليها أثناء شرحها في أحد الفصول.

وبعد أن أفيقت قررت العودة للمنزل فهي حقًا متعبة للغاية، طلبت سيارة وطلبت منها مديرة المدرسة أن تستريح في المنزل حتى تستعيد صحتها وركبت السيارة واتجهت إلى المنزل.

بعد خروج شفق صباحًا اعتاد وليد النوم حتى قبيل الظهر لكن بعد فترة من الوقت خرجت سها من غرفتها متسللة تتلفت فيما حولها حتى دخلت متسللة غرفة وليد بهدوء، أخرجت شيئًا ما ولصقته على الحائط المقابل للسرير وتبدو ككاميرا صغيرة.

كان وليد نائمًا فخلعت ملابسها ونثرت من عطر زوجته ثم دخلت جواره والتحفت بغطائه واحتضنته من ظهره وقد شعر بها فابتسم وقبّل يدها ثم قال وهو مغمضًا عينيه: ما قلت ما تروحيش وخليكِ، كان لازم المشورة يعني!

فلم ترد لكنها قبّلته في عنقه وزحفت بيدها تتحسس جسده فابتسم وتقلب نحوها قائلًا ولازال مغمضًا لعينيه: كده يبقى الهوى اللي رماك.

فاحتضنها لحيظة ثم دفعها فجأة بقوة كادت تسقطها أرضًا وفتح عينه وهب جالسًا من فوره و رآها إنها سها!

فصاح فيها: إنتِ اتهبلتِ ف عقلك ولا اتجنيتي! إمشي برة! يلا برة!

فقالت ولا تزال تقترب منه: بحبك يا وليد ومش قادرة على بعدك، إديني فرصة!

– وأنا ما بقبلكيش يلا استري نفسك وغوري من هنا!

ولازالت تعرض نفسها عليه وكلما تلمسته دفعها حتى لطمها بقوة على وجهها لدرجة قد أصابتها بالدوار فظلت واجمة في مكانها لفترة لكنها فجأة شعرت بصوت أرجل وخطوات تقترب فظلت منصتة إليها حتى بدأ الباب يفتح فألقت بنفسها في حضنه وقبّلته.

وبالطبع لم يكن فاتح الباب سوى شفق وقد رأت هذا المشهد فظلت تفرك في عينيها ظنًا منها أنها تتوهم لكنها للأسف حقيقة.

وما كانت سوى لحظات حتى انطلقت جريا وهي تبكي بحرقة بينما وليد قام مزعورًا دافعًا سها بقوة حتى أسقطها أرضًا وظنت أنها هالكة لا محالة فهربت من أمامه نحو غرفتها وانطلق هو ليلحق بشفق التي تجري دون هدف فلا تعلم لأين تذهب!

و بمجرد أن خرج وليد للحديقة حتى وجد رجاله يأتونه ويلهثون جريًا مفزوعين.

صاح وليد فيهم: في إيه مالكم؟ المدام خرجت أدامكم؟!

أجاب أحدهم بلعثمة: المدام… المدام!

فصرخ فيه: في إيه! ما تنطق!

أجاب الآخر: المدام اتخطفت.

– حد شدها ف عربية وجريت بيها.

وجم وليد للحظات ألجمت لسانه وكأنه قد أصيب بدوارٍ فجائي ثم قال وكأنه قد شك في حاسة سمعه ثم كرر بهدوء: إيه!

– المدام حد خطفها شدها ف عربية وجريت بيها.

فقال بصوت مختنق منهار: وإنتو كنتو فين؟!
ثم صاح فيهم: ولا إنتو كمالة عدد!

– يا فندم المدام كانت خارجة بتجري وشكلها غريب ويادوب خرجت ولاقينا العربية ف لحظة نزل واحد شدها وركب وف أقل من ثانية كانت جرت.

– شكله إيه الواحد ده؟ شكلها إيه العربية؟ انطقوا!

فأخبره رجاله بمواصفات الرجل والسيارة وسار وليد يجر قدميه وارتمي على أقرب كرسي شاعرًا بدوارٍ شديد وكل أطرافه متجمدة عن الحركة وعقله قد شُل عن التفكير.

وجاءت هالة مهرولة والتي قد سمعت كل ما دار.

فصاحت بفزع: إيه يا وليد اللي بسمعه ده!

فأومأ أن نعم بصدمة فاركًا جبهته ثم ماسحًا رأسه بقوة ويشد شعره.

تحدثت هالة: إهدى يا حبيبي عشان تعرف تفكر صح.

وفجأة وقف وليد ونادي رجاله مجددًا وصاح: شفق بنتي! روحوا المدرسة بسرعة وهاتوها دلوقتي.

فانطلق الرجال.

تسآلت هالة: مالها شفق كمان؟ ناوي على إيه!

– مش عارف، بس يمكن حد يقصدني أنا وعايز شفق تفضل هنا ف البيت تحت عيني عشان ما اتشتتش، عايز أفكر، عايز أفكر!

وضرب جبهته بيده ثم سقطت دموعه فجأة وقال بخيبة أمل: شفق كده ضاعت ولا إيه! ماما أنا ماقدرش أعيش من غيرها، دي هي الحاجة الحلوة اللي ف حياتي، دي حبيبة عمري، دي أجمل وأحن وأطيب قلب، هي النور اللي نورلي طريق التوبة وقربني لربنا، هي عوض ربنا الجميل لي وليكِ ولفوفا، هي ملاكي، أعمل إيه؟ اعمل إيه؟ عايز أفكر! عايز أفكر ! مخي مشلول!

ولازال يضرب على جبهته ويفرك وجهه.

فقالت هالة وهي تربت عليه: إهدى طيب، إهدى حبيبي عشان تقدر تفكر.

فضمته إليها ووضعت رأسه على رجليها فأغمض عينيه ولازالت دموعه تتساقط وأمه تربت عليه.

مر بعض الوقت ثم نزلت سها متبخترة وجلست أمامهم تضع ساقًا فوق الأخرى وتهزها باستفزاز ثم قالت ببرود: إيه الدوشة دي هو في إيه؟

فنظرت إليها هالة وتنهدت واستدارت بوجهها عنها.

فصاحت سها: ما تردوا!

فهب وليد واقفًا أمامها بهيئة أفزعتها فلا تزال تلك اللطمة تؤلمها فصاح: شفق اتخطفت!

ولازالت تهز بإحدى ساقيها فوق الأخرى مشعلة سيجارتها ثم تنفخ دخانها بهدوء وعدم اكتراث ثم قالت بنفس البرود: معلش بكرة تلاقيها.

فرد بصرامة وتوعد: إن شاء الله، ومش هرحم اللي اتجرأ وعملها.

فردت متلفتة بعينيها: هو مفيش حد يعملي قهوة؟

فصرخت فيها هالة: هي البعيدة جبلة للدرجة دي! مش كفاية متحملينك كل ده وإنتِ لازقة بغرة! يا شيخة إرحلي واعتقينا بأه.

فقالت ببرود: أنا قاعدة ف بيت بنتي.

صاحت هالة: بنتك!

تابعت سها: انكري دي كمان! أنا غلطانة إني جيت أشوف مالكم.

ثم صعدت لتلك الغرفة التي تسكن فيها ولازال وليد يتابعها بعينيه بحنق وتوعد حتى ذهبت وأغلقت الباب خلفها.

فصرخت فيه أمه: وأخرة الحية دي إيه؟ إنت ليه مخليها معانا؟! إنت مصدق إن عندها مشكلة بجد ولا مصدق إنها قاعدة عشان بنتها!

اقترب وليد من أمه ممسكًا بيدها ثم خرج بها إلى الحديقة في مكانٍ بعيد عن شرفة الغرفة التي تسكنها سها ثم رد بصوتٍ هاديء: لا طبعًا مش مصدق كل ده، زي ما عارف ومتأكد إن وراها سر وراجعة لسبب ف دماغها، لكن حكاية بنتها دي أنا عارف من زمان إن عمرها ما خطرت في بالها، تنكري إنها سبب مرضها؟ تنكري إنها رميتها وهي مولودة واتنازلت عنها قصاد شوية فلوس؟ وآهي قاعدة هنا من إمتى؟! عمرها قعدت معاها ولا بصيت ف وشها حتى من ساعة ما جت هنا؟ دي ما حصلتش حتى الحيوانات… دي….

وفجأة وجد ابنته أمامه…..

(الفصل الواحد والعشرون)

بقلم :نهال عبد الواحد

فجأة وجد ابنته أمامه فارتبك كثيرًا هو وهالة، أخذا يتبادلان النظرات ويبحثان عما يقولاه لها.

نظرت الطفلة بينهما ثم هتفت: يعني الست دي تبقي مامي! يعني مامي مش عند ربنا زي ما قولتولي!

سكتا اثنانتهما قليلًا ثم ابتلع وليد ريقه وقال: أيوة هي مامتك، بس هي ولدتك ومشت، اختفت ماعرفتش طريقها وانقطعت كل أخبارها فقلت أكيد ماتت.

رمقته الطفلة بعدم تصديق ثم قالت: وليه ما قولتوليش أول ما جت؟ وهي ليه ما قالتليش؟!

أجاب وليد: خفنا عليكِ حبيبتي أحسن تتعبي تاني.

– بس أنا مش بحبها وبخاف منها، بشوفها ف الحلم ماسكة نار وبتولع ف البيت.

أومأت هالة: صدقتِ يا بنتي.

عقدت الطفلة حاجبيها بعدم فهم: إيه!

– قصدي يعني ده حلم ما تحطيش ف بالك.

– بس إزاي تبقى مامتي ومش بحبها؟!

قال وليد: إنتِ بس عشان ما تعرفيهاش…

لكنها تركته وانطلقت راكضة فصاح: فوفا يا فوفا إستني!

فلم تلتفت الطفلة أو تعقب وصعدت جريًّا.

تأففت هالة قائلة: كان لازم تقولها يعني!

– هي كده كده سمعتنا، وبعدين بصراحة كويس إنها سمعت وعرفت، الواحد كان شايل همها وحاسس إنه شايل ذنب كبير.

– حبيبتي! شايف بتحلم بإيه! زي اللي قلبها حاسس، شفق اللي كانت هتعرف تتصرف كويس ف الحكاية دي.

صاح وليد وهو يفرك وجهه: آاه ياالله!

– مالك بس يا بني؟

– كل ده ومالي!

– هو أكيد أخوها اللي عمل العملة دي، كانت دايمًا بتقولي يوم ما يعرف طريقي هيقتلني.

– بس الأوقع إنه يبتزها ويجي يكبش مني.

– قصدك إيه!

– إحساسي ماشي ف إتجاه كده أتمني يكون صح، دلوقتي هروح لواحد صاحبي ظابط يدبرني أعمل إيه مش هضيع وقت أكتر من كده، بس ما تحكيش ولا حتى أدام نفسك.

– يعني إيه!

– يعني الإحتياط واجب.

وتركها وذهب لغرفته يبدل ملابسه وفجأة لاحظ تلك الكاميرا الصغيرة فنظر وابتسم وهز برأسه أن نعم فتأكد الآن أن لسُها دور في خطف شفق لكن كيف؟ وماذا تدبر؟

وبينما كانت سها في غرفتها إذ بباب الغرفة يطرق ففتحت فوجدت الطفلة أمامها فتنهدت بتأفف وصاحت باستياء: نعم! خير! هي التانية تغور من هنا و إنتِ هتلزقيلي! أنا لا لي ف مذاكرة ولا حكاوي ولا كل الهبل ده.

– وأنا ماقولتش إن حضرتك تعمليلي كده، مامي شفق بتعملي كل حاجة.

– وهي غارت وإن شاء الله ما ترجعش تاني.

فصرخت الطفلة: ما تقوليش عليها كده.

فجاء وليد على إثر صوت ابنته واحتضنها مسرعًا وقال بحنان: إيه يا حبيبة بابي مالك في إيه؟

– بتقول على مامي شفق إنها غارت.

وليد وهو يلتفت لسها تكاد تخرج من عينيه شرر تحرقها وصاح: إلزمي حدودك وإياكِ تجيبي سيرتها على لسانك.

أجابت سها بلامبالاة: وانا مالي!  إنتو واقفين عندي وعايزين تتخانقوا وخلاص!

– هو إنت يا بابي زعلت مامي شفق وخليتها تمشي؟

فسكت قليلًا وشرد متذكرًا ذلك الموقف الذي رأته شفق وظنت به ظن السوء كما ترآى لها.

فصرخت الطفلة: يبقى عملت كده عشان تتجوز مامي دي!

أومأ وليد مستنكرًا: لا طبعًا.

تابعت سها متغنجة: وأنا اللي بحسبك هتغير رأيك!

صاح وليد: لا ما تحسبيش ده بعدك!

تحدثت الطفلة: أنا كنت جاية بس عشان أسألك هو إنتِ فعلًا مامتي! بس إنتِ فعلًا شريرة.

قالت سها: أنا برضو اللي شريرة ولا هي! هي سرقت باباكِ اللي هو جوزي وسرقتك إنتِ يا بنتي.

قالت الأخيرة بتصنع فتابعت الطفلة: لا إنتِ بتكذبي، مامي شفق حبتني من قبل ما تعرف بابي وإنتِ أصلًا ما كنتيش موجودة من زمان! أنا عمري ما شوفتك ولا حتى شوفت صورة ليكِ! أنا ما بحبكيش ما بحبكيش!

و انصرفت ركضًا تبكي وتصرخ بين الغرف تبحث عن شفق ووليد يحاول تهدئتها حتى أخبرها بأنها قد اختطفت فوجمت وسكتت تمامًا فحملها وذهب بها إلى سريرها وضمها إليه يحتضنها ويهدهد فيها حتى هدأت ونامت فانسحب بهدوء من جوارها وخرج بخفة وسار ينوي الخروج لمقابلة صديقه الضابط وقد أخبره أنه يريد لقاءه دون إخباره بأي تفاصيل.

لكنه ما أن اقترب من باب الغرفة التي فيها سها والتي هي قريبة من السلم حتى سمع صوت ضحكاتها المبتذلة يعلو فوقف ينصت خلف الباب.

تحدثت سها بسعادة: ده أحسن يوم ف عمري كله ولسه… أظن صاحبك ارتاح وهدي كده… المهم بأه عايزينها تبقى ملعوبة صح، هه هتطلب كام؟…. إيه بس! إنت عبيط و لا إيه؟…..إضرب الرقم ده ف تلاتة على أدنا… وحياة رميتك ليّ يا وليد لدفعك التمن غالي… وحياة القلم اللي ضربتهولي ده لأردهولك أضعاف… المهم هتقول إيه؟… تمام… بس حتى بعد ما يبعت الفلوس مش عايزاها ترجعله عايزة أقهره… صح كده… موتها ولزقها لصاحبك الأهبل ده واهو يغور ونقسم الفلوس على اتنين بدل تلاتة ووليد يعيش مقهور طول عمره هو وأمه الحيزبون دي ما بقبلهاش أبدًا الست دي… ولا أقولك عندي فكرة أحلى وأحلى وهتيجي على هواك…. بالظبط…. غيرة إيه يا بني ده بيزنس… وخلي بالك الخيمة اللي عندك دي مخبية تحتها كتير أوي….. جدًا وهتعجبك موت…. المهم لازم الفيديو ده يتسجل لقطة بلقطة عشان يفضل طول عمره مذلول وموجوع وسواء ماتت ولا عاشت هتبقى خلصت بالنسبة له.. وليد ما بياخدش فضلة حد….. إده إنت مش هناك؟…أمال فين؟… طيب طيب ممكن أبعتلك تصبيرة، صورة صورتهالها من كام يوم عشان تصدق بس باقولك إيه… باقولك… عايزاها ما تنفعش لأي حاجة تاني…. ماشي سلام!

أغلقت الخط وضحكت بشر وقالت: وأخلص منك إنت كمان وآخد أنا كل حاجة وألاعبك بأه يا سي وليد، ماهيكون ساعتها ضهرك اتكسر….

وأكملت ضحكاتها الشيطانية ولم تكن تعلم أن وليد قد سمع كل شيء وصار في قمة غضبه بل أكثر بكثير كان موج بحرٍ هائج لا بل إعصارًا مدمرًا حارقًا.

أخذ نفسًا عميقًا ليستطيع التصرف بحكمة وحتى لا يقتلها فورًا.

وفجأة وجدته أمامها فحاولت التصرف بتجاهل ولامبالاة كأن شيئًا لم يحدث وابتسمت له لكنها وجدت لطماتٍ متتالية على وجهها حتى نزف فمها وأنفها  فجذبها من شعرها وشل حركتها بيده الأخرى.

وصاح بغضبٍ حارق: والله كنت عارف إن لا عندك مصايب ولا حاجة ولا حتى جاية عشان بنتك! بس المصايب مقدور عليها وهجيبهالك لحد عندك وبالمستعجل! وبنتك والحمد لله لا طايقاكِ ولا عايزاكِ! أد إيه الوطاية والقذارة مأصلة فيكِ! وهتقِرِي بكل حاجة يا إما هدفنك مكانك!

وجذب منها هاتفها وأخذه وأخذ منها أي جهاز يمكنها التواصل به وقال قبل أن يخرج وهو ينظر لها باشمئزاز: إنسي إنك تخرجي حية من هنا لحد ماشفق ترجع وسليمة مافيهاش شكة الشوكة! ولحد ما ده يحصل هتترمي هنا زي الكلبة! وديني لا ندّمك عل اليوم اللي رجعتيلي فيه هنا! لا لندّمك عل يوم اللي اتولدتي فيه! غوري ربنا ياخدك ويريحنا من شرك!

وتركها وخرج وأغلق الباب ووصده بالمفتاح.
(العوض الجميل)
الفصل الثاني والعشرون

بقلم :نهال عبد الواحد

ذهب وليد بالفعل إلى صديقه الضابط وبعد التحية والسلام قصّ عليه كل ماحدث منذ أن اختطفت ظهرًا وحتى منذ قليل عندما سمع سها.

تحدث صديقه: وفين الموبايل ده؟

فأخرجه وليد وأردف: إتفضل.

– فتحته!

فأومأ برأسه أن لا، فأخذه منه وحاول فتحه حتى نجح، ظل يبحث ويفتش في سجل المكالمات، محادثات مواقع التواصل الاجتماعي والرسائل وقبل فتح الصور أعطى الهاتف لوليد ليمسح صور زوجته الموجودة على الهاتف وبالفعل مسحها وأكمل التفتيش.

كانت الرسائل الموجودة على الهاتف إن دلت فإنما تدل على قذارة تلك المرأة أخلاقيًا، المهم قد كان التركيز على كل ما يخص التخطيط للاختطاف.

عادت سها بعد ذياع سيط وليد كأحد أنجح رجال الأعمال المعروفين في الآونة الأخيرة فقررت مع صديقها العودة إليه ونصب شراكها عليه من جديد فيردها وتبدأ في مشاركته في ذلك النعيم والتعبئة منه كيفما شاءت.

ولم تكن تضع في حسبانها أمر زواجه وحتى عندما رأتها للوهلة الأولى بحجابها واحتشامها سخرت منها و ظنت أنها ستزيحها سريعًا، لكن كما نعلم قد فاجأها الوضع كثيرًا عندما رأتها دون حجاب ورأت مدى تعلق وليد وحبه المتيم بها.

بالإضافة إلى أن وليد الموجود أمامها الآن هو وليد آخر لا تعرفه وصارت شفق أكبر عقبة ويلزم إزاحتها مهما بلغ الأمر.

عندما هربت شفق من أخيها فقد بحث عنها مرارًا ولم يجدها إطلاقًا وقد ضيع كل مالديه من مال على المفاسد والمنكرات.

وذات يوم فتش في أشياءها فوجد مبلغًا ضئيلًا قد نسيته وبينما هو يجدد البحث وجد بطاقة صغيرة مكتوب فيها إسم وعنوان المدرسة لكنه لم يفهم معنى هذه البطاقة.

ظن أنه ربما تكون عاملة في المدرسة أو خادمة عند أصحاب تلك المدرسة فدفعه فضوله للبحث من ذلك الاتجاه.

وبالفعل تردد من حينٍ لآخر على المدرسة وذات يوم رأى أخته تخرج متأبطة لشابٍ ما ثم ركبت سيارته وكيف أن شكلها وهيئتها راقية! وكانا يضحكان ويتسامران، فود لو هجم عليها لكنه لاحظ الحرس الخاص المحيط بهما فتراجع.

وعندما سأل علم أنها معلمة في المدرسة منذ أعوامٍ طويلة وهذا الذي معها هو زوجها وهو رجل أعمال شهير، عاد مصطفى بخفي حنين لا يعرف كيف يصل لأخته ويشاركها ذلك النعيم الرهيب.

وذات يوم كان مصطفى مع صديق له وكان آنذاك يحادث صديقته (سها).

-هه عندِك جديد ولا إيه!

– لا جديد ولا قديم، الموضوع معقد!

-إده! معقول أفلستي ماعندكيش أفكار خالص!

– وليد بأه واحد تاني ماعرفوش متيم وعاشق ولهان لست شفق بتاعته دي.

وهنا تدخل مصطفى قائلًا بفجأة: إسمها إيه؟!

– شفق! إسم عجيب معلش.

سألها مصطفى بلهفة: وجوزها اسمه إيه؟

– وليد! وليد عوني.

فأكمل مصطفى: وعنده بنت وهي بتشتغل مدرسة!

– أيوة فعلًا.

– إوعي تكون هي!

فأكّد مصطفى: هي فعلًا.

– هي إيه؟ أنا مش فاهمة حاجة!

– بأه يا ستي أخته سابته من زمان وما كانش عارف يوصلها ولسه قريب عرف إنها بتشتغل مدرسة ومتجوزة وليد عوني بس مش عارف يقرب طبعًا، وطبعًا متغاظ منها ونفسه يخلص عليها.

– إيه الهبل ده! وهتستفاد إيه! بص إنتو الاتنين تخطفوها وتطلبوا مبلغ محترم يتقسم علينا إحنا التلاته وبعد كده إبقى إعمل اللي تعمله فيها.

واتفق الثلاثة على ذلك وكانت دائمًا توافيهما بأخبار تحركاتها حتى جاءت اللحظة الحاسمة.

كل ذلك قد عرف من المحادثات  والمكالمات التليفونية فهاتفها لحسن الحظ يُسجل المكالمات تلقائيًا.

أمسك الضابط هاتفه والهاتف الآخر وكان يفعل شيئًا ما، فسأله وليد: بتعمل إيه يا سيف؟

– نزلت أبلكيشن يغير الأصوات وظبطته على صوت سها اللي متسجل عشان اللي يتصل إنت ترد عليه على إنك هي، بس الأبلكيشن عليه الصوت وبس، إنت بأه عليك الطريقة واللزمات والحاجات زي، ما تبصليش كده نفذ اللي باقولك عليه بالحرف، وأنا دلوقت هكرت تليفونها وكل حسابتها وأي حاجة هتوصلها او هتتبعت هتوصلني، وإنت لو تليفونك فيه أي حاجة خاصة امسحها فورًا عشان ههكره وده لحد ما الموضوع ده يخلص وبس.

– طب ما أنا ممكن…..

– مش هتديني التفصيلة اللي محتاجها، ودني وعيني غير ودنك وعينك، في حاجات مش هتلاحظها، جملة واحدة بس ممكن أطلع منها كتير وطبعًا الوقت مهم جدًا وبرضو أي إتصال أو رسايل هتوصلني.

وقد فعل وليد ما طلب منه، فأكمل سيف: كده إنت تروح تنام وأنا هضطر أسيب تليفوني مفتوح مع إني ف أجازة يعني ومع أول اتصال هكون مستعد إن شاء الله.

– وإنت فاهم إني هقدر أنام!

– لازم تنام ولو ساعة واحدة، مش عارفين الساعات الجاية شكلها إيه!

– معلش أزعجتك بس إنت صاحبي وأنا ف حالة دلوقتي مش قادر أوصفها، مش عارف طريقها ولا عارف أي حاجة!!

قال وليد الأخيرة بقهرٍ شديد، فقال سيف: حاسس بإحساسك، ده مر علي قبل كده! و تتصور ما كنتش عارف أفكر ولا أتصرف غير بعد وقت! المهم دلوقتي روح وحاول تنام.

– طب والكاميرا!

– خليها خصوصًا إن مدامتك مش موجودة، خليك طبيعي وتلقائي، احتراسك من جواك وبس.

انصرف وليد إلى بيته، دخل غرفته وبدل ملابسه ثم وقف أمام السرير ناظرًا نحوه وهو يرى طيفها، فجلس على تلك الأريكة المقابلة فتذكر أيام قسوته عليها فانتفض فجأة وظل واقفًا بعض الوقت ثم رأى فرشاة شعرها فأمسكها فإذا بها بعض شعيراتها فقرّب الفرشاة من أنفه وأخذ نفسًا عميقًا ليشم رائحتها، ثم وجد شالًا لها فأخذه يتشمم عطرها فيه ويقبله ثم وضعه على كتفيه كأنما شعر بها تحتضنه الآن.

لم يطيق المكوث في الغرفة فهبط إلى الحديقة وجلس يتذكر كل ذكرياتهما معًا، كيف بدأت وكيف تطورت علاقتهما! فتتساقط بعض العبرات من عينيه.

وبينما هو هكذا إذ غلبه النعاس قليلًا وقد رآها في منامه تحتضنه وتربت عليه وهو يبكي بين يديها ويضمها بقوة ولم يكن هذا سوى أنه يضم الشال نحوه أكثر.

كانت شفق منذ أن اختطفت وهي فاقدة للوعي وكلما حاولت الاستيقاظ لا تقوى من شدة الإعياء حتى أخيرًا استطاعت أن تسترد وعيها.

فتحت عينيها فوجدت نفسها مربوطة، جالسة على كرسي وأمامها شابٍ ما لم تتبينه في البداية لكن بعد لحظات أدركت من يكون…. إنه أخيها!

وما أن رآها تفتح عينيها حتى اقترب منها وصاح: أخيرًا صحيتي!

– إنت جايبني هنا ليه؟

– هشرب من دمك، بأه تسبيني وتمشي! وتروحي تعيشي في العز ده كله متنعمة لوحدك!

– إنت مالكش حاجة عندي وأنا تعبت وقرفت منك ومن عمايلك، وافتكر إني إتحملتك سنين وسنين وإنت عمرك ما حمدت ربنا ولا رجعت عن سكتك وحتى لما سيبتك كان بسببك وسبب الأشكال اللي دخلتها بيت أبوك، إنت مش عويل روح اشتغل واصرف على نفسك.

– واسيبك في العز ده!

– وأنا قولت إنت مالكش حاجة ولو على جثتي.

– إنت مالكيش دعوة أصلًا أنا اللي هعمل كل حاجة.

وأخذ هاتفها واتصل بوليد وما أن رن هاتف وليد حتى انتفض من نومته مفزوعًا ثم نظر فوجد رقمها المتصل فرد بلهفة: أيوة يا حبيبي، إنتِ فين طمنيني عليكِ؟

فأجاب مصطفى ساخرًا: لا يا حنين مش هي…..

– آاه! وإنت عايز إيه منها حرام عليك! خدني أنا مكانها! اطلب أي حاجة وأنا تحت أمرك بس بلاش تؤذيها بأي شكل! أرجوك!

– من جهة هطلب فأكيد هطلب أمال بتصل ليه يعني!

– طلباتك!

– نص أملاكك.

صاح وليد بفجأة: نعم!

– إيه السمع فيه مشكلة!

– مش شايف إن طلبك ده مبالغ فيه!

– على حياة حبيبة القلب؟

– طب موافق بس أكلمها، عايز أتأكد إنها كويسة، إطمن عليها من فضلك!

فأعطى الهاتف لشفق فتحدثت بصوتٍ مختنق: آلو!

أجاب وليد بلهفة: حبيبي إنتِ كويسة! طمنيني عليكِ، عملوا فيكِ إيه يا قلبي!

فقالت وهي تبكي: أنا خايفة أوي!

– ما تخافيش ياحبيبتي أنا جنبك! ثم قال :والله ماعملت حاجة م اللي فهمتيها! دي كانت لعبة.

– مصدقاك.

– إطمني أنا هعمل أي حاجة عشانك المهم ترجعيلي.

– ماتدفعش الفلوس دي يا وليد!

– ليه بس؟ ده كله ورق بيروح ويجي!

– هيفضل يستغلك ومش هيشبع أنا عارفاه كويس.

فسمعها مصطفى فخطف منها الهاتف فصرخت بأقوى ما لديها: ما تديهوش حاجة يا وليد! آه!

خطف منها الهاتف ولطمها لطمة مدوية سمعها وليد فانتفض من مكانه وصاح بخوف: شفق! شفق! في إيه؟! عملت فيها إيه يا حيوان؟!

وأغلق الخط بل أغلق الهاتف بأكمله، ظل مصطفى يلطمها على وجهها بغلٍ شديد حتى صارت الدماء تنزف من وجهها لا يتحقق من مصدرها من أنفها، أذنها أم فمها، وآخر لطمة من قوتها سقطت بالكرسي المربوطة به وفقدت وعيها مجددًا.

(الفصل الثالث والعشرون)

بقلم : نهال عبد الواحد

أغلق الخط بل أغلق الهاتف بأكمله وجُنّ جنون وليد وهو يحاول الاتصال مرارًا وتكرارًا دون فائدة فشعر بالعجز فجأة، جلس واجمًا وهواء الفجر البارد يطير من خصلات شعره وتسللت برودة وقشعريرة داخله.

سكت فترة ثم أخد نفسًا عميقًا من نسيم الفجر ثم رفع وجهه إلى السماء وقال ودموعه تنهمر:
يارب عصيتك كتير وارتكبت في حقك وحق نفسي ذنوب ومعاصي، ما تؤاخذهاش بذنبي يارب! ما تعاقبنيش فيها يا رب! والله تُبت وأنت الأعلم! قويها ونجيها أنت وحدك وكيلها وسندها، أنا ضعيف أوي يارب، قالتلي خايفة وما عرفتش أطمنها، شُفت ضعفي وعجزي! يارب قويها ونجيها! يارب أستودعك زوجتي وأنت خير الحافظين! هي كانت بتقوللي كده، كنت بسمعها وهي بتدعيلي حتى وأنا ظالمها وقاهرها كانت بتدعيلي، شُفت طيبتها يارب وأنت الأعلم، يارب ردهالي سليمة!

وإذ بأذان الفجر يملأ أصداء الدنيا فمسح دموعه، توضأ وذهب لصلاة الفجر في المسجد لكن هيئته اليوم حزينة ويُرى أثر البكاء من تورم عينيه وكلما سجد سُمع صوت شهقاته وهو يدعو كثيرًا.

وبعد الصلاة وانصراف المصلون وقد كان وليد متعبًا للغاية فأسند بظهره على أحد الأعمدة وأغمض عينيه داعيًا الله من داخله حتى اقترب منه إمام المسجد الذي يعرفه ويألفه منذ أن واظب على الصلاة والحضور للمسجد.

سأله إمام المسجد برفق: مالك يابني؟

فقال وهو يفتح عينيه بالكاد: تعبان!

– إرمي حمولك على اللي خلقك ده بيقول للشيء كن فيكون.

– ونعم بالله.

– لو حابب تحكي.

سكت وليد قليلًا، شعر براحة تجاه هذا الشيخ فاستطرد: زمان عرفت واحدة واتجوزتها وكانت ضد رغبة أمي وما كنتش فاهم سبب رفضها في البداية لكن بعد مشوار طويل من المشاكل والصدامات طلقتها ومشت وسابت بنتنا المولودة… اتحولت بعدها لشخص فاسد شهواني وعاصي سنين، سنين بعصيه وبغلط في حق كل الناس، لحد ما قابلتها قابلت ملاكي، طبعًا ياما ضايقتها في البداية على إعتبار إن كل الستات عينة واحدة، لكن هي كانت مختلفة طيبة ومؤمنة أوي، عمري ما شُفت حد كده، أد إيه هي جميلة وبتعرف تمتص اللي أدامها وما تجرحهوش مهما عمل، لكن فجأة حبيتها رغم كل مقاومتي، دخلت كمان قلب أمي وبنتي بهدوءها وطيبتها وأخلاقها وهي السبب في هدايتي وإني أراجع نفسي وألحقها، واتجوزنا وعيشت معاها في سعادة حقيقية، بس..بس إمبارح اتخطفت وهي راجعة من شغلها، هتجنن وحاسس بالعجز ومفيش أدامي غير إني أدعي وأدعي إن ربنا يحميها من شرورهم.

– وإنت اختارت الصح يا بني، اختارت أحسن سند وحامي.

– خايف عليها أوي وماقدرش أعيش من غيرها.

– لا يابني ماحدش بيموت من بعد حد، الحب الزائد ده بيدمر صاحبه، ده اختبار من الله ولازم تصبر وترضا بقضاءه مهما كان، اصبر واهدى وما تنساش برضو تاخد بالأسباب وتبلغ وتوظف ناس تدور عليها، ربنا يطمك يابني ويردهالك بالسلامة!

شكر وليد إمام المسجد وعاد إلى بيته من جديد وفجأة انتبه لهاتف سها الذي يرن فقد كان على وضع صامت.

فرد محاولًا تقليد طريقتها: آلو!

-آلو! فينك؟ كنتِ نايمة ولا إيه؟

– آه.

-فين الصورة اللي قُلتِ عليها؟

– صورة ايه؟

– صورة المزة اللي خطفينها.

كوّر وليد يده غاضبًا وعضّ عليها ثم رد بهدوءٍ مصطنع: طب ماهي عندك.

-إده يا حلوة إنتِ بتغيري؟!

– لا طبعًا.

-عمومًا ده تار قديم بيني وبينها، مرة زمان كنت رايح مع الشلة عندهم في بيتهم المعفن ده وكنت عامل أحلى دماغ فضربتني ضربة بت اللذينة فتحتلي دماغي، ده أنا ناويلها على نية إنما ايه… خصوصًا وهي خلصانة كده.

لازال وليد في قمة غضبه ويهز رجله بشدة ويعض على يده مجددًا ويفرك وجهه الذي يشتعل غضبًا ثم تصنع الهدوء مجددًا وقال: طب خلينا في المهم، إيه اللي قُلته لوليد ده؟

-قُلت ايه! أنا لسه ما كلمتهوش ولا حتى كلمت مصطفى عشان نتفق على السعر الجديد اللي قُلتِ عليه.

– أمال مين اللي كلم وليد وطلب اللي طلبه ده؟!

– طلب إيه؟

– نص أملاكه.

– إيه! ابن الـ….. بيستغفلني! لا! مش أنا اللي آخد على آفايا، طب ووليد؟

– لا ده بيموت فيها وصوت صريخه كان مجلجل في الفيلا من شوية مش عارفة إيه اللي حصلها!

-طب أنا رايحله دلوقتي، فيها يااخفيها.

– طب ما تبعتلي لوكيشن بمكانك واجيلكم، نفسي أتفرج موت على اللي هيحصل فيها يمكن يشفي غليلي وفرصة إن البيت كله نايم.

فأغلق الخط وما أن انتهت المكالمة حتى وصلت رسالة بالمكان ورن هاتفه وكان سيف.

أجاب وليد: أيوة يا سيف، كنت لسه هكلمك، سمعت؟

– سمعت كله، ده إنت ما يتخافش عليك يا بني، بتوقعهم في بعض يا إبن اللعيبة!

– تفتكر صدقني!

– جدًا، المهم دلوقتي لازم نتحرك عدي عليّ حالًا برجالتك وأنا مجهز كام واحد من رجالتي ونروح كلنا، بقولك بلاش العربية الكبيرة تعالى بالتانية والبس حاجة ما تزعلش عليها.

– وده ليه؟

– حد قالك إننا رايحين حفلة! ده ضرب وسحل وتقطيع، لما أشوف وليد اللي زي الحيطة وبكل عضلاته دي هيعمل إيه!

فضحك وليد بسخرية وقال: والله إنت رايق!

– طب انجز يا حلو.
وأغلق سيف الخط فإذا بندى زوجته تستيقظ.

قالت ندى بنعاس: بتكلم مين؟ و رجالة إيه؟ إنت رايح فين دلوقتي؟

– مشوار مهم.

– حتى في الأجازة!

– يا حبيبتي ده واحد صاحبي عنده مشكلة مراته اتخطفت ورايح معاه، بسيطة يعني ومالوش علاقة بشغلي، لا مافيات ولا مخابرات، إهدي بأه!

– إنت عارف كويس إني مش بطمن غير وإنت جنبي.

– وأنا كمان يا حبيبتي، إيه يا ندى هنعيده تاني؟ إن شاء الله أبقى أوضب سفرية لمكان حلو تغيروا فيه جو.

– يا سلام! ده إنت قلبك جمد أهو!

– عمره ما يجمد عليكِ ولا على ولادي، بس خوفي وقلقي عليكم أعمل فيه إيه؟ كل مااتخيل إنكم ممكن تتأذوا بسبب شغلي بترعب عليكم.

– يا سيدي سيبها على الله وكفاية إن نيتك خير وبتفكر تفسحنا.

– بسم الله ما شاء الله! ده إيه العقل ده كله!

– شُفت ازاي! يلا عشان ما تتأخرش على الراجل.

– أوعى ازاي وإنتِ قابضة عليّ كده؟!

– قابضة عليك! ماشي! ماشي يا سيادة الرائد لما تيجي هعرفك غلطك.

– وأنا مستني أعرف غلطي على نار.

قالها بمكر غامزًا لها فرمته بوسادتها فضحك وهب واقفًا ثم أبدل ملابسه واستعد، خرج برجاله بعد مجئ الجميع ووليد إليه ورجاله أيضًا وذهبوا جميعًا إلى ذلك المكان.

(العوض الجميل)
الفصل العشرون

بقلم:نهال عبد الواحد

وذات يوم قد تأخر وليد كثيرًا ولم يعد إلا في المساء وكان متعب للغاية بينما هالة وشفق تجلسان أمام التلفاز في حين سها تجلس عن بعد ويبدو أنها تتحدث مع شخص ما بمحادثة الكترونية.

دخل وليد منهكًا فسلم على أمه وشفق وارتمى على إحدى الكراسي.

سألته شفق بلهفة: إتأخرت كده ليه؟

– الشغل كان كتير وهلكت، آاه!

قالت هالة: الله يقويك يا حبيبي! أخليهم بأه يحضروا الأكل، شفق ما رضيتش تاكل ومستنياك، وشكلك إنت كمان ما كلتش حاجة.

أومأ وليد: لا لا أنا مش قادر، عايز أنام! عايز حد يشيلني، كان إيه اللي قعدني! آه مش قادر أمشي أصلًا.

فنهضت شفق واتجهت ناحية المطبخ، فقال وليد: ما تجهزيش حاجة مش هاكل، كلي إنتِ و ما تستننيش بعد كده.

فابتسمت وأكملت سيرها دون رد فتعجب منها وليد وبعد قليل عادت تحمل طبقًا كبيرًا به ماء دافيء وملح ثم وضعته على الأرض أمام وليد، وضعت وسادة على الأرض ثم جلست عليها، همت بخلع حذاء وليد فجذب قدمه نحوه وصاح مستنكرًا: لا لا هتعملي إيه!

– إستنى بس هريحك.

– لا ما يصحش اللي بتعمليه ده!

– لا، يصح، سيبلي نفسك إنت بس وما لكش دعوة، هريحك.

فاضطر لمجاراتها فخلع حذاءه وجوربه بنفسه وأبى عليها أن تفعل ذلك، رفعت له شفق رجلي بنطاله فوضع قدميه في الماء وبدأت شفق تدلك قدميه برفق وبدأ بالفعل يشعر بالراحة وهو ينظر نحوها بابتسامة عاشق.

كانت سها تتابعهما عن بعد بغيظٍ شديد لكنها كانت تبتسم بشيطنة ترى ماذا تدبر!

وبعد أن انتهت شفق وجففت قدماه بمنشفة همّت أن تقف لتحمل هذا الطبق لكن بمجرد انحناءها لأسفل شعرت بدوار فجائي وكادت أن تسقط فلاحظها وليد فهب مسرعًا نحوها يسندها.

فصاحت هالة: شوفتي قلة الأكل! هقولهم يعملولكم سندوتشات خفيفة.

تحدث وليد وهو يمسح على وجهها: بعد كده كلي وبلاش تقعدي كده من غير أكل.

وبالفعل أكلا ثم تسندا بعضهما لبعض وذهبا إلى النوم.

وفي الصباح بينما كان وليد يتناول الإفطار مع أمه وابنته وشفق قبل ذهابهما إلى المدرسة، كانت شفق تبدو مرهقة وشاحبة الوجه.

قال وليد: ما تأجزي إنهاردة شكلك تعبان.

أومأت شفق: لا يا حبيبي أنا حاسة إني أحسن.

تابعت هالة: طب كلي كويس وتتغدي معانا ولما وليد يرجع إبقى كلي تاني معاه، عشان ما تقعيش حبيبتي.

هتف وليد: إسمعي الكلام!

فأومأت توافقه وابتسمت إليهم فقبل وليد يدها وأطعمها بضع لقيمات في فمها ثم جاءت سيارة المدرسة فسلمت عليهما هي والطفلة وانصرفتا.

وبمجرد أن ركبت شفق السيارة بدأت تشعر بالدوار أكثر وأكثر لكنها تحاملت على نفسها وصمدت لتكمل اليوم لكن بمجرد وصولها للمدرسة أسرعت نحو إحدى الحمامات وتقيأت.

بدأت شفق في تدريس حصصها ولازالت تجاهد مع نفسها حتى سقطت مغشيًا عليها أثناء شرحها في أحد الفصول.

وبعد أن أفيقت قررت العودة للمنزل فهي حقًا متعبة للغاية، طلبت سيارة وطلبت منها مديرة المدرسة أن تستريح في المنزل حتى تستعيد صحتها وركبت السيارة واتجهت إلى المنزل.

بعد خروج شفق صباحًا اعتاد وليد النوم حتى قبيل الظهر لكن بعد فترة من الوقت خرجت سها من غرفتها متسللة تتلفت فيما حولها حتى دخلت متسللة غرفة وليد بهدوء، أخرجت شيئًا ما ولصقته على الحائط المقابل للسرير وتبدو ككاميرا صغيرة.

كان وليد نائمًا فخلعت ملابسها ونثرت من عطر زوجته ثم دخلت جواره والتحفت بغطائه واحتضنته من ظهره وقد شعر بها فابتسم وقبّل يدها ثم قال وهو مغمضًا عينيه: ما قلت ما تروحيش وخليكِ، كان لازم المشورة يعني!

فلم ترد لكنها قبّلته في عنقه وزحفت بيدها تتحسس جسده فابتسم وتقلب نحوها قائلًا ولازال مغمضًا لعينيه: كده يبقى الهوى اللي رماك.

فاحتضنها لحيظة ثم دفعها فجأة بقوة كادت تسقطها أرضًا وفتح عينه وهب جالسًا من فوره و رآها إنها سها!

فصاح فيها: إنتِ اتهبلتِ ف عقلك ولا اتجنيتي! إمشي برة! يلا برة!

فقالت ولا تزال تقترب منه: بحبك يا وليد ومش قادرة على بعدك، إديني فرصة!

– وأنا ما بقبلكيش يلا استري نفسك وغوري من هنا!

ولازالت تعرض نفسها عليه وكلما تلمسته دفعها حتى لطمها بقوة على وجهها لدرجة قد أصابتها بالدوار فظلت واجمة في مكانها لفترة لكنها فجأة شعرت بصوت أرجل وخطوات تقترب فظلت منصتة إليها حتى بدأ الباب يفتح فألقت بنفسها في حضنه وقبّلته.

وبالطبع لم يكن فاتح الباب سوى شفق وقد رأت هذا المشهد فظلت تفرك في عينيها ظنًا منها أنها تتوهم لكنها للأسف حقيقة.

وما كانت سوى لحظات حتى انطلقت جريا وهي تبكي بحرقة بينما وليد قام مزعورًا دافعًا سها بقوة حتى أسقطها أرضًا وظنت أنها هالكة لا محالة فهربت من أمامه نحو غرفتها وانطلق هو ليلحق بشفق التي تجري دون هدف فلا تعلم لأين تذهب!

و بمجرد أن خرج وليد للحديقة حتى وجد رجاله يأتونه ويلهثون جريًا مفزوعين.

صاح وليد فيهم: في إيه مالكم؟ المدام خرجت أدامكم؟!

أجاب أحدهم بلعثمة: المدام… المدام!

فصرخ فيه: في إيه! ما تنطق!

أجاب الآخر: المدام اتخطفت.

– حد شدها ف عربية وجريت بيها.

وجم وليد للحظات ألجمت لسانه وكأنه قد أصيب بدوارٍ فجائي ثم قال وكأنه قد شك في حاسة سمعه ثم كرر بهدوء: إيه!

– المدام حد خطفها شدها ف عربية وجريت بيها.

فقال بصوت مختنق منهار: وإنتو كنتو فين؟!
ثم صاح فيهم: ولا إنتو كمالة عدد!

– يا فندم المدام كانت خارجة بتجري وشكلها غريب ويادوب خرجت ولاقينا العربية ف لحظة نزل واحد شدها وركب وف أقل من ثانية كانت جرت.

– شكله إيه الواحد ده؟ شكلها إيه العربية؟ انطقوا!

فأخبره رجاله بمواصفات الرجل والسيارة وسار وليد يجر قدميه وارتمي على أقرب كرسي شاعرًا بدوارٍ شديد وكل أطرافه متجمدة عن الحركة وعقله قد شُل عن التفكير.

وجاءت هالة مهرولة والتي قد سمعت كل ما دار.

فصاحت بفزع: إيه يا وليد اللي بسمعه ده!

فأومأ أن نعم بصدمة فاركًا جبهته ثم ماسحًا رأسه بقوة ويشد شعره.

تحدثت هالة: إهدى يا حبيبي عشان تعرف تفكر صح.

وفجأة وقف وليد ونادي رجاله مجددًا وصاح: شفق بنتي! روحوا المدرسة بسرعة وهاتوها دلوقتي.

فانطلق الرجال.

تسآلت هالة: مالها شفق كمان؟ ناوي على إيه!

– مش عارف، بس يمكن حد يقصدني أنا وعايز شفق تفضل هنا ف البيت تحت عيني عشان ما اتشتتش، عايز أفكر، عايز أفكر!

وضرب جبهته بيده ثم سقطت دموعه فجأة وقال بخيبة أمل: شفق كده ضاعت ولا إيه! ماما أنا ماقدرش أعيش من غيرها، دي هي الحاجة الحلوة اللي ف حياتي، دي حبيبة عمري، دي أجمل وأحن وأطيب قلب، هي النور اللي نورلي طريق التوبة وقربني لربنا، هي عوض ربنا الجميل لي وليكِ ولفوفا، هي ملاكي، أعمل إيه؟ اعمل إيه؟ عايز أفكر! عايز أفكر ! مخي مشلول!

ولازال يضرب على جبهته ويفرك وجهه.

فقالت هالة وهي تربت عليه: إهدى طيب، إهدى حبيبي عشان تقدر تفكر.

فضمته إليها ووضعت رأسه على رجليها فأغمض عينيه ولازالت دموعه تتساقط وأمه تربت عليه.

مر بعض الوقت ثم نزلت سها متبخترة وجلست أمامهم تضع ساقًا فوق الأخرى وتهزها باستفزاز ثم قالت ببرود: إيه الدوشة دي هو في إيه؟

فنظرت إليها هالة وتنهدت واستدارت بوجهها عنها.

فصاحت سها: ما تردوا!

فهب وليد واقفًا أمامها بهيئة أفزعتها فلا تزال تلك اللطمة تؤلمها فصاح: شفق اتخطفت!

ولازالت تهز بإحدى ساقيها فوق الأخرى مشعلة سيجارتها ثم تنفخ دخانها بهدوء وعدم اكتراث ثم قالت بنفس البرود: معلش بكرة تلاقيها.

فرد بصرامة وتوعد: إن شاء الله، ومش هرحم اللي اتجرأ وعملها.

فردت متلفتة بعينيها: هو مفيش حد يعملي قهوة؟

فصرخت فيها هالة: هي البعيدة جبلة للدرجة دي! مش كفاية متحملينك كل ده وإنتِ لازقة بغرة! يا شيخة إرحلي واعتقينا بأه.

فقالت ببرود: أنا قاعدة ف بيت بنتي.

صاحت هالة: بنتك!

تابعت سها: انكري دي كمان! أنا غلطانة إني جيت أشوف مالكم.

ثم صعدت لتلك الغرفة التي تسكن فيها ولازال وليد يتابعها بعينيه بحنق وتوعد حتى ذهبت وأغلقت الباب خلفها.

فصرخت فيه أمه: وأخرة الحية دي إيه؟ إنت ليه مخليها معانا؟! إنت مصدق إن عندها مشكلة بجد ولا مصدق إنها قاعدة عشان بنتها!

اقترب وليد من أمه ممسكًا بيدها ثم خرج بها إلى الحديقة في مكانٍ بعيد عن شرفة الغرفة التي تسكنها سها ثم رد بصوتٍ هاديء: لا طبعًا مش مصدق كل ده، زي ما عارف ومتأكد إن وراها سر وراجعة لسبب ف دماغها، لكن حكاية بنتها دي أنا عارف من زمان إن عمرها ما خطرت في بالها، تنكري إنها سبب مرضها؟ تنكري إنها رميتها وهي مولودة واتنازلت عنها قصاد شوية فلوس؟ وآهي قاعدة هنا من إمتى؟! عمرها قعدت معاها ولا بصيت ف وشها حتى من ساعة ما جت هنا؟ دي ما حصلتش حتى الحيوانات… دي….

وفجأة وجد ابنته أمامه…..

(الفصل الواحد والعشرون )

فجأة وجد ابنته أمامه فارتبك كثيرًا هو وهالة، أخذا يتبادلان النظرات ويبحثان عما يقولاه لها.

نظرت الطفلة بينهما ثم هتفت: يعني الست دي تبقي مامي! يعني مامي مش عند ربنا زي ما قولتولي!

سكتا اثنانتهما قليلًا ثم ابتلع وليد ريقه وقال: أيوة هي مامتك، بس هي ولدتك ومشت، اختفت ماعرفتش طريقها وانقطعت كل أخبارها فقلت أكيد ماتت.

رمقته الطفلة بعدم تصديق ثم قالت: وليه ما قولتوليش أول ما جت؟ وهي ليه ما قالتليش؟!

أجاب وليد: خفنا عليكِ حبيبتي أحسن تتعبي تاني.

– بس أنا مش بحبها وبخاف منها، بشوفها ف الحلم ماسكة نار وبتولع ف البيت.

أومأت هالة: صدقتِ يا بنتي.

عقدت الطفلة حاجبيها بعدم فهم: إيه!

– قصدي يعني ده حلم ما تحطيش ف بالك.

– بس إزاي تبقى مامتي ومش بحبها؟!

قال وليد: إنتِ بس عشان ما تعرفيهاش…

لكنها تركته وانطلقت راكضة فصاح: فوفا يا فوفا إستني!

فلم تلتفت الطفلة أو تعقب وصعدت جريًّا.

تأففت هالة قائلة: كان لازم تقولها يعني!

– هي كده كده سمعتنا، وبعدين بصراحة كويس إنها سمعت وعرفت، الواحد كان شايل همها وحاسس إنه شايل ذنب كبير.

– حبيبتي! شايف بتحلم بإيه! زي اللي قلبها حاسس، شفق اللي كانت هتعرف تتصرف كويس ف الحكاية دي.

صاح وليد وهو يفرك وجهه: آاه ياالله!

– مالك بس يا بني؟

– كل ده ومالي!

– هو أكيد أخوها اللي عمل العملة دي، كانت دايمًا بتقولي يوم ما يعرف طريقي هيقتلني.

– بس الأوقع إنه يبتزها ويجي يكبش مني.

– قصدك إيه!

– إحساسي ماشي ف إتجاه كده أتمني يكون صح، دلوقتي هروح لواحد صاحبي ظابط يدبرني أعمل إيه مش هضيع وقت أكتر من كده، بس ما تحكيش ولا حتى أدام نفسك.

– يعني إيه!

– يعني الإحتياط واجب.

وتركها وذهب لغرفته يبدل ملابسه وفجأة لاحظ تلك الكاميرا الصغيرة فنظر وابتسم وهز برأسه أن نعم فتأكد الآن أن لسُها دور في خطف شفق لكن كيف؟ وماذا تدبر؟

وبينما كانت سها في غرفتها إذ بباب الغرفة يطرق ففتحت فوجدت الطفلة أمامها فتنهدت بتأفف وصاحت باستياء: نعم! خير! هي التانية تغور من هنا و إنتِ هتلزقيلي! أنا لا لي ف مذاكرة ولا حكاوي ولا كل الهبل ده.

– وأنا ماقولتش إن حضرتك تعمليلي كده، مامي شفق بتعملي كل حاجة.

– وهي غارت وإن شاء الله ما ترجعش تاني.

فصرخت الطفلة: ما تقوليش عليها كده.

فجاء وليد على إثر صوت ابنته واحتضنها مسرعًا وقال بحنان: إيه يا حبيبة بابي مالك في إيه؟

– بتقول على مامي شفق إنها غارت.

وليد وهو يلتفت لسها تكاد تخرج من عينيه شرر تحرقها وصاح: إلزمي حدودك وإياكِ تجيبي سيرتها على لسانك.

أجابت سها بلامبالاة: وانا مالي!  إنتو واقفين عندي وعايزين تتخانقوا وخلاص!

– هو إنت يا بابي زعلت مامي شفق وخليتها تمشي؟

فسكت قليلًا وشرد متذكرًا ذلك الموقف الذي رأته شفق وظنت به ظن السوء كما ترآى لها.

فصرخت الطفلة: يبقى عملت كده عشان تتجوز مامي دي!

أومأ وليد مستنكرًا: لا طبعًا.

تابعت سها متغنجة: وأنا اللي بحسبك هتغير رأيك!

صاح وليد: لا ما تحسبيش ده بعدك!

تحدثت الطفلة: أنا كنت جاية بس عشان أسألك هو إنتِ فعلًا مامتي! بس إنتِ فعلًا شريرة.

قالت سها: أنا برضو اللي شريرة ولا هي! هي سرقت باباكِ اللي هو جوزي وسرقتك إنتِ يا بنتي.

قالت الأخيرة بتصنع فتابعت الطفلة: لا إنتِ بتكذبي، مامي شفق حبتني من قبل ما تعرف بابي وإنتِ أصلًا ما كنتيش موجودة من زمان! أنا عمري ما شوفتك ولا حتى شوفت صورة ليكِ! أنا ما بحبكيش ما بحبكيش!

و انصرفت ركضًا تبكي وتصرخ بين الغرف تبحث عن شفق ووليد يحاول تهدئتها حتى أخبرها بأنها قد اختطفت فوجمت وسكتت تمامًا فحملها وذهب بها إلى سريرها وضمها إليه يحتضنها ويهدهد فيها حتى هدأت ونامت فانسحب بهدوء من جوارها وخرج بخفة وسار ينوي الخروج لمقابلة صديقه الضابط وقد أخبره أنه يريد لقاءه دون إخباره بأي تفاصيل.

لكنه ما أن اقترب من باب الغرفة التي فيها سها والتي هي قريبة من السلم حتى سمع صوت ضحكاتها المبتذلة يعلو فوقف ينصت خلف الباب.

تحدثت سها بسعادة: ده أحسن يوم ف عمري كله ولسه… أظن صاحبك ارتاح وهدي كده… المهم بأه عايزينها تبقى ملعوبة صح، هه هتطلب كام؟…. إيه بس! إنت عبيط و لا إيه؟…..إضرب الرقم ده ف تلاتة على أدنا… وحياة رميتك ليّ يا وليد لدفعك التمن غالي… وحياة القلم اللي ضربتهولي ده لأردهولك أضعاف… المهم هتقول إيه؟… تمام… بس حتى بعد ما يبعت الفلوس مش عايزاها ترجعله عايزة أقهره… صح كده… موتها ولزقها لصاحبك الأهبل ده واهو يغور ونقسم الفلوس على اتنين بدل تلاتة ووليد يعيش مقهور طول عمره هو وأمه الحيزبون دي ما بقبلهاش أبدًا الست دي… ولا أقولك عندي فكرة أحلى وأحلى وهتيجي على هواك…. بالظبط…. غيرة إيه يا بني ده بيزنس… وخلي بالك الخيمة اللي عندك دي مخبية تحتها كتير أوي….. جدًا وهتعجبك موت…. المهم لازم الفيديو ده يتسجل لقطة بلقطة عشان يفضل طول عمره مذلول وموجوع وسواء ماتت ولا عاشت هتبقى خلصت بالنسبة له.. وليد ما بياخدش فضلة حد….. إده إنت مش هناك؟…أمال فين؟… طيب طيب ممكن أبعتلك تصبيرة، صورة صورتهالها من كام يوم عشان تصدق بس باقولك إيه… باقولك… عايزاها ما تنفعش لأي حاجة تاني…. ماشي سلام!

أغلقت الخط وضحكت بشر وقالت: وأخلص منك إنت كمان وآخد أنا كل حاجة وألاعبك بأه يا سي وليد، ماهيكون ساعتها ضهرك اتكسر….

وأكملت ضحكاتها الشيطانية ولم تكن تعلم أن وليد قد سمع كل شيء وصار في قمة غضبه بل أكثر بكثير كان موج بحرٍ هائج لا بل إعصارًا مدمرًا حارقًا.

أخذ نفسًا عميقًا ليستطيع التصرف بحكمة وحتى لا يقتلها فورًا.

وفجأة وجدته أمامها فحاولت التصرف بتجاهل ولامبالاة كأن شيئًا لم يحدث وابتسمت له لكنها وجدت لطماتٍ متتالية على وجهها حتى نزف فمها وأنفها  فجذبها من شعرها وشل حركتها بيده الأخرى.

وصاح بغضبٍ حارق: والله كنت عارف إن لا عندك مصايب ولا حاجة ولا حتى جاية عشان بنتك! بس المصايب مقدور عليها وهجيبهالك لحد عندك وبالمستعجل! وبنتك والحمد لله لا طايقاكِ ولا عايزاكِ! أد إيه الوطاية والقذارة مأصلة فيكِ! وهتقِرِي بكل حاجة يا إما هدفنك مكانك!

وجذب منها هاتفها وأخذه وأخذ منها أي جهاز يمكنها التواصل به وقال قبل أن يخرج وهو ينظر لها باشمئزاز: إنسي إنك تخرجي حية من هنا لحد ماشفق ترجع وسليمة مافيهاش شكة الشوكة! ولحد ما ده يحصل هتترمي هنا زي الكلبة! وديني لا ندّمك عل اليوم اللي رجعتيلي فيه هنا! لا لندّمك عل يوم اللي اتولدتي فيه! غوري ربنا ياخدك ويريحنا من شرك!

وتركها وخرج وأغلق الباب
الفصل الثاني والعشرون  )

ذهب وليد بالفعل إلى صديقه الضابط وبعد التحية والسلام قصّ عليه كل ماحدث منذ أن اختطفت ظهرًا وحتى منذ قليل عندما سمع سها.

تحدث صديقه: وفين الموبايل ده؟

فأخرجه وليد وأردف: إتفضل.

– فتحته!

فأومأ برأسه أن لا، فأخذه منه وحاول فتحه حتى نجح، ظل يبحث ويفتش في سجل المكالمات، محادثات مواقع التواصل الاجتماعي والرسائل وقبل فتح الصور أعطى الهاتف لوليد ليمسح صور زوجته الموجودة على الهاتف وبالفعل مسحها وأكمل التفتيش.

كانت الرسائل الموجودة على الهاتف إن دلت فإنما تدل على قذارة تلك المرأة أخلاقيًا، المهم قد كان التركيز على كل ما يخص التخطيط للاختطاف.

عادت سها بعد ذياع سيط وليد كأحد أنجح رجال الأعمال المعروفين في الآونة الأخيرة فقررت مع صديقها العودة إليه ونصب شراكها عليه من جديد فيردها وتبدأ في مشاركته في ذلك النعيم والتعبئة منه كيفما شاءت.

ولم تكن تضع في حسبانها أمر زواجه وحتى عندما رأتها للوهلة الأولى بحجابها واحتشامها سخرت منها و ظنت أنها ستزيحها سريعًا، لكن كما نعلم قد فاجأها الوضع كثيرًا عندما رأتها دون حجاب ورأت مدى تعلق وليد وحبه المتيم بها.

بالإضافة إلى أن وليد الموجود أمامها الآن هو وليد آخر لا تعرفه وصارت شفق أكبر عقبة ويلزم إزاحتها مهما بلغ الأمر.

عندما هربت شفق من أخيها فقد بحث عنها مرارًا ولم يجدها إطلاقًا وقد ضيع كل مالديه من مال على المفاسد والمنكرات.

وذات يوم فتش في أشياءها فوجد مبلغًا ضئيلًا قد نسيته وبينما هو يجدد البحث وجد بطاقة صغيرة مكتوب فيها إسم وعنوان المدرسة لكنه لم يفهم معنى هذه البطاقة.

ظن أنه ربما تكون عاملة في المدرسة أو خادمة عند أصحاب تلك المدرسة فدفعه فضوله للبحث من ذلك الاتجاه.

وبالفعل تردد من حينٍ لآخر على المدرسة وذات يوم رأى أخته تخرج متأبطة لشابٍ ما ثم ركبت سيارته وكيف أن شكلها وهيئتها راقية! وكانا يضحكان ويتسامران، فود لو هجم عليها لكنه لاحظ الحرس الخاص المحيط بهما فتراجع.

وعندما سأل علم أنها معلمة في المدرسة منذ أعوامٍ طويلة وهذا الذي معها هو زوجها وهو رجل أعمال شهير، عاد مصطفى بخفي حنين لا يعرف كيف يصل لأخته ويشاركها ذلك النعيم الرهيب.

وذات يوم كان مصطفى مع صديق له وكان آنذاك يحادث صديقته (سها).

-هه عندِك جديد ولا إيه!

– لا جديد ولا قديم، الموضوع معقد!

-إده! معقول أفلستي ماعندكيش أفكار خالص!

– وليد بأه واحد تاني ماعرفوش متيم وعاشق ولهان لست شفق بتاعته دي.

وهنا تدخل مصطفى قائلًا بفجأة: إسمها إيه؟!

– شفق! إسم عجيب معلش.

سألها مصطفى بلهفة: وجوزها اسمه إيه؟

– وليد! وليد عوني.

فأكمل مصطفى: وعنده بنت وهي بتشتغل مدرسة!

– أيوة فعلًا.

– إوعي تكون هي!

فأكّد مصطفى: هي فعلًا.

– هي إيه؟ أنا مش فاهمة حاجة!

– بأه يا ستي أخته سابته من زمان وما كانش عارف يوصلها ولسه قريب عرف إنها بتشتغل مدرسة ومتجوزة وليد عوني بس مش عارف يقرب طبعًا، وطبعًا متغاظ منها ونفسه يخلص عليها.

– إيه الهبل ده! وهتستفاد إيه! بص إنتو الاتنين تخطفوها وتطلبوا مبلغ محترم يتقسم علينا إحنا التلاته وبعد كده إبقى إعمل اللي تعمله فيها.

واتفق الثلاثة على ذلك وكانت دائمًا توافيهما بأخبار تحركاتها حتى جاءت اللحظة الحاسمة.

كل ذلك قد عرف من المحادثات  والمكالمات التليفونية فهاتفها لحسن الحظ يُسجل المكالمات تلقائيًا.

أمسك الضابط هاتفه والهاتف الآخر وكان يفعل شيئًا ما، فسأله وليد: بتعمل إيه يا سيف؟

– نزلت أبلكيشن يغير الأصوات وظبطته على صوت سها اللي متسجل عشان اللي يتصل إنت ترد عليه على إنك هي، بس الأبلكيشن عليه الصوت وبس، إنت بأه عليك الطريقة واللزمات والحاجات زي، ما تبصليش كده نفذ اللي باقولك عليه بالحرف، وأنا دلوقت هكرت تليفونها وكل حسابتها وأي حاجة هتوصلها او هتتبعت هتوصلني، وإنت لو تليفونك فيه أي حاجة خاصة امسحها فورًا عشان ههكره وده لحد ما الموضوع ده يخلص وبس.

– طب ما أنا ممكن…..

– مش هتديني التفصيلة اللي محتاجها، ودني وعيني غير ودنك وعينك، في حاجات مش هتلاحظها، جملة واحدة بس ممكن أطلع منها كتير وطبعًا الوقت مهم جدًا وبرضو أي إتصال أو رسايل هتوصلني.

وقد فعل وليد ما طلب منه، فأكمل سيف: كده إنت تروح تنام وأنا هضطر أسيب تليفوني مفتوح مع إني ف أجازة يعني ومع أول اتصال هكون مستعد إن شاء الله.

– وإنت فاهم إني هقدر أنام!

– لازم تنام ولو ساعة واحدة، مش عارفين الساعات الجاية شكلها إيه!

– معلش أزعجتك بس إنت صاحبي وأنا ف حالة دلوقتي مش قادر أوصفها، مش عارف طريقها ولا عارف أي حاجة!!

قال وليد الأخيرة بقهرٍ شديد، فقال سيف: حاسس بإحساسك، ده مر علي قبل كده! و تتصور ما كنتش عارف أفكر ولا أتصرف غير بعد وقت! المهم دلوقتي روح وحاول تنام.

– طب والكاميرا!

– خليها خصوصًا إن مدامتك مش موجودة، خليك طبيعي وتلقائي، احتراسك من جواك وبس.

انصرف وليد إلى بيته، دخل غرفته وبدل ملابسه ثم وقف أمام السرير ناظرًا نحوه وهو يرى طيفها، فجلس على تلك الأريكة المقابلة فتذكر أيام قسوته عليها فانتفض فجأة وظل واقفًا بعض الوقت ثم رأى فرشاة شعرها فأمسكها فإذا بها بعض شعيراتها فقرّب الفرشاة من أنفه وأخذ نفسًا عميقًا ليشم رائحتها، ثم وجد شالًا لها فأخذه يتشمم عطرها فيه ويقبله ثم وضعه على كتفيه كأنما شعر بها تحتضنه الآن.

لم يطيق المكوث في الغرفة فهبط إلى الحديقة وجلس يتذكر كل ذكرياتهما معًا، كيف بدأت وكيف تطورت علاقتهما! فتتساقط بعض العبرات من عينيه.

وبينما هو هكذا إذ غلبه النعاس قليلًا وقد رآها في منامه تحتضنه وتربت عليه وهو يبكي بين يديها ويضمها بقوة ولم يكن هذا سوى أنه يضم الشال نحوه أكثر.

كانت شفق منذ أن اختطفت وهي فاقدة للوعي وكلما حاولت الاستيقاظ لا تقوى من شدة الإعياء حتى أخيرًا استطاعت أن تسترد وعيها.

فتحت عينيها فوجدت نفسها مربوطة، جالسة على كرسي وأمامها شابٍ ما لم تتبينه في البداية لكن بعد لحظات أدركت من يكون…. إنه أخيها!

وما أن رآها تفتح عينيها حتى اقترب منها وصاح: أخيرًا صحيتي!

– إنت جايبني هنا ليه؟

– هشرب من دمك، بأه تسبيني وتمشي! وتروحي تعيشي في العز ده كله متنعمة لوحدك!

– إنت مالكش حاجة عندي وأنا تعبت وقرفت منك ومن عمايلك، وافتكر إني إتحملتك سنين وسنين وإنت عمرك ما حمدت ربنا ولا رجعت عن سكتك وحتى لما سيبتك كان بسببك وسبب الأشكال اللي دخلتها بيت أبوك، إنت مش عويل روح اشتغل واصرف على نفسك.

– واسيبك في العز ده!

– وأنا قولت إنت مالكش حاجة ولو على جثتي.

– إنت مالكيش دعوة أصلًا أنا اللي هعمل كل حاجة.

وأخذ هاتفها واتصل بوليد وما أن رن هاتف وليد حتى انتفض من نومته مفزوعًا ثم نظر فوجد رقمها المتصل فرد بلهفة: أيوة يا حبيبي، إنتِ فين طمنيني عليكِ؟

فأجاب مصطفى ساخرًا: لا يا حنين مش هي…..

– آاه! وإنت عايز إيه منها حرام عليك! خدني أنا مكانها! اطلب أي حاجة وأنا تحت أمرك بس بلاش تؤذيها بأي شكل! أرجوك!

– من جهة هطلب فأكيد هطلب أمال بتصل ليه يعني!

– طلباتك!

– نص أملاكك.

صاح وليد بفجأة: نعم!

– إيه السمع فيه مشكلة!

– مش شايف إن طلبك ده مبالغ فيه!

– على حياة حبيبة القلب؟

– طب موافق بس أكلمها، عايز أتأكد إنها كويسة، إطمن عليها من فضلك!

فأعطى الهاتف لشفق فتحدثت بصوتٍ مختنق: آلو!

أجاب وليد بلهفة: حبيبي إنتِ كويسة! طمنيني عليكِ، عملوا فيكِ إيه يا قلبي!

فقالت وهي تبكي: أنا خايفة أوي!

– ما تخافيش ياحبيبتي أنا جنبك! ثم قال :والله ماعملت حاجة م اللي فهمتيها! دي كانت لعبة.

– مصدقاك.

– إطمني أنا هعمل أي حاجة عشانك المهم ترجعيلي.

– ماتدفعش الفلوس دي يا وليد!

– ليه بس؟ ده كله ورق بيروح ويجي!

– هيفضل يستغلك ومش هيشبع أنا عارفاه كويس.

فسمعها مصطفى فخطف منها الهاتف فصرخت بأقوى ما لديها: ما تديهوش حاجة يا وليد! آه!

خطف منها الهاتف ولطمها لطمة مدوية سمعها وليد فانتفض من مكانه وصاح بخوف: شفق! شفق! في إيه؟! عملت فيها إيه يا حيوان؟!

وأغلق الخط بل أغلق الهاتف بأكمله، ظل مصطفى يلطمها على وجهها بغلٍ شديد حتى صارت الدماء تنزف من وجهها لا يتحقق من مصدرها من أنفها، أذنها أم فمها، وآخر لطمة من قوتها سقطت بالكرسي المربوطة به وفقدت وعيها مجددًا.

(الفصل الثالث والعشرون )

أغلق الخط بل أغلق الهاتف بأكمله وجُنّ جنون وليد وهو يحاول الاتصال مرارًا وتكرارًا دون فائدة فشعر بالعجز فجأة، جلس واجمًا وهواء الفجر البارد يطير من خصلات شعره وتسللت برودة وقشعريرة داخله.

سكت فترة ثم أخد نفسًا عميقًا من نسيم الفجر ثم رفع وجهه إلى السماء وقال ودموعه تنهمر:
يارب عصيتك كتير وارتكبت في حقك وحق نفسي ذنوب ومعاصي، ما تؤاخذهاش بذنبي يارب! ما تعاقبنيش فيها يا رب! والله تُبت وأنت الأعلم! قويها ونجيها أنت وحدك وكيلها وسندها، أنا ضعيف أوي يارب، قالتلي خايفة وما عرفتش أطمنها، شُفت ضعفي وعجزي! يارب قويها ونجيها! يارب أستودعك زوجتي وأنت خير الحافظين! هي كانت بتقوللي كده، كنت بسمعها وهي بتدعيلي حتى وأنا ظالمها وقاهرها كانت بتدعيلي، شُفت طيبتها يارب وأنت الأعلم، يارب ردهالي سليمة!

وإذ بأذان الفجر يملأ أصداء الدنيا فمسح دموعه، توضأ وذهب لصلاة الفجر في المسجد لكن هيئته اليوم حزينة ويُرى أثر البكاء من تورم عينيه وكلما سجد سُمع صوت شهقاته وهو يدعو كثيرًا.

وبعد الصلاة وانصراف المصلون وقد كان وليد متعبًا للغاية فأسند بظهره على أحد الأعمدة وأغمض عينيه داعيًا الله من داخله حتى اقترب منه إمام المسجد الذي يعرفه ويألفه منذ أن واظب على الصلاة والحضور للمسجد.

سأله إمام المسجد برفق: مالك يابني؟

فقال وهو يفتح عينيه بالكاد: تعبان!

– إرمي حمولك على اللي خلقك ده بيقول للشيء كن فيكون.

– ونعم بالله.

– لو حابب تحكي.

سكت وليد قليلًا، شعر براحة تجاه هذا الشيخ فاستطرد: زمان عرفت واحدة واتجوزتها وكانت ضد رغبة أمي وما كنتش فاهم سبب رفضها في البداية لكن بعد مشوار طويل من المشاكل والصدامات طلقتها ومشت وسابت بنتنا المولودة… اتحولت بعدها لشخص فاسد شهواني وعاصي سنين، سنين بعصيه وبغلط في حق كل الناس، لحد ما قابلتها قابلت ملاكي، طبعًا ياما ضايقتها في البداية على إعتبار إن كل الستات عينة واحدة، لكن هي كانت مختلفة طيبة ومؤمنة أوي، عمري ما شُفت حد كده، أد إيه هي جميلة وبتعرف تمتص اللي أدامها وما تجرحهوش مهما عمل، لكن فجأة حبيتها رغم كل مقاومتي، دخلت كمان قلب أمي وبنتي بهدوءها وطيبتها وأخلاقها وهي السبب في هدايتي وإني أراجع نفسي وألحقها، واتجوزنا وعيشت معاها في سعادة حقيقية، بس..بس إمبارح اتخطفت وهي راجعة من شغلها، هتجنن وحاسس بالعجز ومفيش أدامي غير إني أدعي وأدعي إن ربنا يحميها من شرورهم.

– وإنت اختارت الصح يا بني، اختارت أحسن سند وحامي.

– خايف عليها أوي وماقدرش أعيش من غيرها.

– لا يابني ماحدش بيموت من بعد حد، الحب الزائد ده بيدمر صاحبه، ده اختبار من الله ولازم تصبر وترضا بقضاءه مهما كان، اصبر واهدى وما تنساش برضو تاخد بالأسباب وتبلغ وتوظف ناس تدور عليها، ربنا يطمك يابني ويردهالك بالسلامة!

شكر وليد إمام المسجد وعاد إلى بيته من جديد وفجأة انتبه لهاتف سها الذي يرن فقد كان على وضع صامت.

فرد محاولًا تقليد طريقتها: آلو!

-آلو! فينك؟ كنتِ نايمة ولا إيه؟

– آه.

-فين الصورة اللي قُلتِ عليها؟

– صورة ايه؟

– صورة المزة اللي خطفينها.

كوّر وليد يده غاضبًا وعضّ عليها ثم رد بهدوءٍ مصطنع: طب ماهي عندك.

-إده يا حلوة إنتِ بتغيري؟!

– لا طبعًا.

-عمومًا ده تار قديم بيني وبينها، مرة زمان كنت رايح مع الشلة عندهم في بيتهم المعفن ده وكنت عامل أحلى دماغ فضربتني ضربة بت اللذينة فتحتلي دماغي، ده أنا ناويلها على نية إنما ايه… خصوصًا وهي خلصانة كده.

لازال وليد في قمة غضبه ويهز رجله بشدة ويعض على يده مجددًا ويفرك وجهه الذي يشتعل غضبًا ثم تصنع الهدوء مجددًا وقال: طب خلينا في المهم، إيه اللي قُلته لوليد ده؟

-قُلت ايه! أنا لسه ما كلمتهوش ولا حتى كلمت مصطفى عشان نتفق على السعر الجديد اللي قُلتِ عليه.

– أمال مين اللي كلم وليد وطلب اللي طلبه ده؟!

– طلب إيه؟

– نص أملاكه.

– إيه! ابن الـ….. بيستغفلني! لا! مش أنا اللي آخد على آفايا، طب ووليد؟

– لا ده بيموت فيها وصوت صريخه كان مجلجل في الفيلا من شوية مش عارفة إيه اللي حصلها!

-طب أنا رايحله دلوقتي، فيها يااخفيها.

– طب ما تبعتلي لوكيشن بمكانك واجيلكم، نفسي أتفرج موت على اللي هيحصل فيها يمكن يشفي غليلي وفرصة إن البيت كله نايم.

فأغلق الخط وما أن انتهت المكالمة حتى وصلت رسالة بالمكان ورن هاتفه وكان سيف.

أجاب وليد: أيوة يا سيف، كنت لسه هكلمك، سمعت؟

– سمعت كله، ده إنت ما يتخافش عليك يا بني، بتوقعهم في بعض يا إبن اللعيبة!

– تفتكر صدقني!

– جدًا، المهم دلوقتي لازم نتحرك عدي عليّ حالًا برجالتك وأنا مجهز كام واحد من رجالتي ونروح كلنا، بقولك بلاش العربية الكبيرة تعالى بالتانية والبس حاجة ما تزعلش عليها.

– وده ليه؟

– حد قالك إننا رايحين حفلة! ده ضرب وسحل وتقطيع، لما أشوف وليد اللي زي الحيطة وبكل عضلاته دي هيعمل إيه!

فضحك وليد بسخرية وقال: والله إنت رايق!

– طب انجز يا حلو.
وأغلق سيف الخط فإذا بندى زوجته تستيقظ.

قالت ندى بنعاس: بتكلم مين؟ و رجالة إيه؟ إنت رايح فين دلوقتي؟

– مشوار مهم.

– حتى في الأجازة!

– يا حبيبتي ده واحد صاحبي عنده مشكلة مراته اتخطفت ورايح معاه، بسيطة يعني ومالوش علاقة بشغلي، لا مافيات ولا مخابرات، إهدي بأه!

– إنت عارف كويس إني مش بطمن غير وإنت جنبي.

– وأنا كمان يا حبيبتي، إيه يا ندى هنعيده تاني؟ إن شاء الله أبقى أوضب سفرية لمكان حلو تغيروا فيه جو.

– يا سلام! ده إنت قلبك جمد أهو!

– عمره ما يجمد عليكِ ولا على ولادي، بس خوفي وقلقي عليكم أعمل فيه إيه؟ كل مااتخيل إنكم ممكن تتأذوا بسبب شغلي بترعب عليكم.

– يا سيدي سيبها على الله وكفاية إن نيتك خير وبتفكر تفسحنا.

– بسم الله ما شاء الله! ده إيه العقل ده كله!

– شُفت ازاي! يلا عشان ما تتأخرش على الراجل.

– أوعى ازاي وإنتِ قابضة عليّ كده؟!

– قابضة عليك! ماشي! ماشي يا سيادة الرائد لما تيجي هعرفك غلطك.

– وأنا مستني أعرف غلطي على نار.

قالها بمكر غامزًا لها فرمته بوسادتها فضحك وهب واقفًا ثم أبدل ملابسه واستعد، خرج برجاله بعد مجئ الجميع ووليد إليه ورجاله أيضًا وذهبوا جميعًا إلى ذلك المكان.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان