المفهوم الحقيقى لتجديد الخطاب الدينى وتحديث الفكر الإسلامى

بقلم – خالد الريدي

نتكلم مرارا وتكرارا عن تجديد الخطاب الدينى والفكرالإسلامى ، هناك من يرددها بلا وعى بما تعنيه ، ومن يقصد بها الإساءة للتراث الإسلامى ، باعتباره شيئا عفا عليه الزمن ، وليس قيمة إنسانية وعلمية ودينية كبرى ، ومن يهرول خلف المهرولين فى أى ساحة للظهور والادعاء ، وبداية نقول إن من لاماضى له لاحاضر له ولا مستقبل أيضا ، ويستحيل البناء على غير أساس أو بلاهدى ، وتجديد الخطاب الدينى والفكر الإسلامى ، لايعنى مطلقا أن نصبح منبتى الجذور عن ماضينا التليد ، ولكن علينا تنقيح تراثنا العظيم من كل ما ران عليه من شوائب مختلفة ، وما اعتراه من أدران عديدة ، جراء جهلنا وسوء فهمنا ، من ناحية ، وكونه فى بعض أجزاء منه كان مناسبا لظرف إنسانى واجتماعى وعلمى معين ، فكان موائما تماما لزمانه ، بل كان عصريا حينذاك ، لكن التقدم العلمى المذهل الذى كشف لنا وتوصل بنا إلى ما لايخطر على عقل بشر، جعلنا لابد أن نراجع كثيرا من المسائل الفقهية القديمة ، التى مر عليها قرون ، إنما يجب أن نتوغل فى تراثنا برفق ولين ، فلسنا معول هدم ، بل أداة بناء ، فالمراجعة مطلوبة دوما ، وتصحيح الأوضاع لاغنى عنه فى أى أمر من الأمور، كما أننا لابد أن نفرق تماما بين الفقه الإسلامى بكل مافيه من روائع عظيمة ، وتفسير للقرآن الكريم والسنة المطهرة وسير الصحب الكرام ، واجتهادات فقهية منوعة ، وبين الشريعة الإسلامية بمفهومها المحدد الدقيق ، والتى لا تتضمن بأى حال سوى القرآن الكريم ” المصدر الأول والإلهى للتشريع” والسنة المطهرة ” المصدر الثانى للتشريع ، والى يعد مصدرا إلهيا بشريا فى نفس الوقت” ، قال تعالى ” وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى” صدق الله العظيم ، بل إن الأحاديث القدسية على سبيل المثال جاءت منزلة على رسول الله ” فما امتلك منها سوى الصيغة فقط وليس المضمون” ، أما السنة المطهرة بأنواعها ” التكميلية ـ التفسيرية ـ التقريرية ” ، وسواء جاءت إلينا متواترة أو مشهورة أو آحاد ، فقد هدى إليه إليها خير البشر ، بما وهبه إياه من سعة أفق ، وبعد نظر، ونفاذ بصيرة ، وحكمة هائلة ، وذلك بعدما شرح له صدره جل وعلا ، وبما أفاء الله به عليه من فيض نوره وجزيل عطائه ، إذن فالفارق شاسع بينهما ، لأن الفقه الإسلامى هو اجتهادات بشرية بحتة ، اعتمد على قدرة كل فقيه على فهم النصوص القرآنية أو الأحاديث النبوية ، وقدرته على تفسيرها وتفصيلها ، والاستنباط منها ، والقياس عليها ، حسب الحاجة ، وكل ذلك كان يحتاج وعيا واجتهادا وتفقها ، لذلك كان للفقيه شروط كثيرة ، ولم يكن يعمل فى الفقه إلا من كان حافظا لكتاب الله تعالى ، ولجزء هائل من السنة الشريفة ، وكان ملما بعلوم الحديث ، التى وضعها مؤسسو علم الحديث ، لما كثر المفترون بالكذب على رسول الله ” صلى الله عليه وسلم ” وانتشر من سموا بوضّاع الأحاديث ، فكان هذا العلم الذى أسس وقعّد القواعد لما يصح اعتباره من السنة النبوية وما يخرج عنها ، ليس فقط فيما يتعلق بالسند وصحته ، وما نعرفه عن العنعنة ، وإنما أيضا فيما يتعلق بشخصيات رواة الأحاديث ، وهل عاصر الرسول فكان صحابيا أم تابعا أم من تابعى التابعين ؟؟
وكذلك فى مسألة أمانته وصدقه ونزاهته ، حتى مع الحيوان ، وإلا تم استبعاد الحديث تماما ، واعتباره كأن لم يكن ، إلا إذا ورد على لسان رواة ثقاة فى دينهم وخلقهم إلخ
وكانوا يتحرون الدقة تماما ، ومنهم من سافر الأمصار ليلقى الرواة أو يستوثق من صحة السند وهكذا ، ولهذا لم يكن العمل الفقهى مهنة ، بل مهمة عظيمة تولاها من كان يصلح لها ، وفى الحديث الشريف” من اجتهد وأخطأ فله درجة ، ومن اجتهد فأصاب ، فله درجتان” “صلعم” ، فالاجتهاد دوما على أساس سليم من النصوص المباركة قطعية الثبوت والدلالة من كتاب الله ، أو حتى ظنية الثبوت وقطعية الدلالة عن رسول الله الكريم ، أو الاستناد إلى اجماع الأمة كلها ” مصداقا لقول النبى الأعظم ” لاتجمع أمتى على باطل” صدق رسول الله، وقد يكون اجماعا من كبار أئمة وفقهاء ومحدثى عصرهم ، الذى لهم تلامذة نجباء فى مختلف الأرجاء ، ولهم محبون متبعون لمذاهبهم ، فى بلاد شتى ، ولو كان الأمر قياسا ، فله شروط عدة ، فلا يقاس إلا عند اتحاد العلة ، وعند انعدام النص فى تلك المسألة أو ذلك الفرض المهم ، وتوافره فى أمر أخر يشابهه فى العلة والسبب ، وبالتالى فى النتيجة إذا قسنا ماليس فيه نص عليه ، لنخرج بخلاصة طيبة ، ونتيجة سليمة إلخ ، لذلك فإن أخطأ صاحب المذهب الفقهى أو أحد تابعيه ، فلأنهم بشر ، والخطأ فى البشر وارد دوما ” يقول محمد النى الأعظم ” رفع عن أمتى ثلاث { الخطأ والسهو والنسيان} صدق رسول الله ” صلعم” ، وليس الخطأ مطلقا عن جهل ، ولا تقصير بأى حال ، إنما هو لاختلاف الظروف التى ورد فيها الفرض أو المسألة ، أو لحدوث التباس فى فهم الآية الكريمة ” سواء فى منطوقها أو دلالتها أو كليهما ، لأنها جاءت بمعان لا ترد على بال أهل ذلك الزمان ، لكونها تتحدث عن كروية الأرض ” الآية ” ، ” والأرض بعد ذلك دحاها ” مثلا أو أطوار خلق الجنين ، إلخ ، وهى أمور علمية بحتة ، لم نعرفها نحن بدقة شديدة إلا منذ عقود ، وهكذا فلم يكن العلم قد تقدم بهذ الشكل غير العادى ، بل وظهرت علوم كثيرة جدا لم تكن معروفة بالمرة ، وتوصل العلم إلى اختراعات مذهلة واكتشافات خطيرة ، فأنى لهم بكل ذلك ، وقد نشأوا فى عصور بعيدة وبيئات معظمها صحراوية أو بسيطة مهما أوتيت من معرفة حينذاك ، ولذلك فلايجوز لنا ونحن ننتقد آراء أو نرفض بعض ما جاء فى فقههم أن نسب أو نشتم أو نهين أو نجرح مطلقا ، فالنقد علم والعلم أرقى من كل فشح أو بذاءة ، والنقد يأتى بنوعيه دوما ، يتناول الإيجابيات والسلبيات ، لا واحدة منهما فقط ، والنقد يقصد به دوما التنبيه إلى الخطأ والتوعية والتبصير به ، لنبحث عن الصواب ، ونجتهد أكثر وصولا للحق والحقيقة ، النقد لايعرف اتهامات بالباطل والزيف والزور والبهتان ، بل حجة بالحجة وبرهانا بالبرهان !!
وللحديث بقية إن كان فى العمر بقية !!

11130141_826243554095536_5758854624064186696_n

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان