الكراهية والإرهاب ..!! من منظور علم النفس الإجتماعي

بقلم حازم خزام بالهيئة العامة للإستعلامات برئاسة الجمهورية .

تفسير الكراهية والتطرف بالبيئة الاقتصادية الاجتماعية والنفسية، هو ليس ملاحظة العلاقة الفردية بين التطرف والحالة الاقتصادية؛ بمعنى ملاحظة المتطرفين كأفراد إن كانوا أغنياء أو فقراء يعيشون أزمات اجتماعية أو ظروفا عادية وملائمة. ليس ذلك هو المقصود. وإن كانت دراسة الحالات الفردية وملاحظة العلاقة بين حالتها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وبين الاتجاهات والميول نحو الكراهية والتطرف، هي أيضا أسلوب صحيح من الناحية المنهجية، لكن من المؤكد أن ثمة علاقة بين البيئة الاقتصادية الاجتماعية على نحو عام، وبين الاعتدال والتطرف والجريمة والسلوك السوي والشعور بالرضا أو التعاسة. إن السلوك الاجتماعي ليس عملية واعية أو قرارا يتخذه الفرد على نحو واضح أو استجابة للظروف المحيطة أو ردة فعل مباشرة…

وإن كان يحدث ذلك أحيانا. الحال أن التطرف والكراهية والقسوة إن لم تكن فشلا، فإنها تعكس الفشل في إدارة وتنظيم الموارد والسياسات. وبطبيعة الحال، فإن مواجهة التطرف هي الازدهار والتقدم والتنمية الإنسانية… أو هي (المواجهة) محصلة تلقائية للأداء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي السليم والإيجابي. يساعدنا ديفيد باتريك هوتون؛ أستاذ علم النفس السياسي في جامعة وسط فلوريدا في الولايات المتحدة الأميركية، في كتابه “علم النفس السياسي”، في استيعاب الدراسات والنظريات التي اشتغلت بعلم نفس الإرهاب. ويشير هوتون إلى مجموعة من الكتب والدراسات التي صدرت في هذا المجال، مثل كتاب ريكس هدسون “علم نفس الإرهاب”، 1991؛ وكتاب جون هورغان “شخصية الإرهابي”. ويقول هدسون: “الذين يدرسون الإرهاب يتناولون الفرد الإرهابي أو الجماعة الإرهابية على مستوى جزئي من الدراسة، ذلك لأن المقاربة النفسية تركز على دراسة الإرهابيين بحد ذاتهم؛ كيف يتم تجنيدهم، وكيف يتم دمجهم في الجماعات الإرهابية، إضافة إلى أنه يبحث في نوعية شخصياتهم واعتقاداتهم واتجاهاتهم ودوافعهم ومهنتهم كإرهابيين”. وجهة النظر السائدة ترى الإرهاب بالطريقة التي يرى بها ستانلي ملغرام القتل الجماعي؛ أي كنتاج للظروف البيئية المحيطة بالفرد من حيث الأساس، وليس كنتاج للخصائص الشخصية للإرهابي، آخذا بذلك وجهة نظر موقفية صرفة.

ويعتقد معظم المحللين اليوم أنه ليس هناك شخصية إرهابية ذات طابع واحد، فضلا عن أن هناك قبولا متزايدا للرأي القائل إن المتطرفين سياسيا “أسوياء” بشكل عام في العديد من الوجوه (ليسوا مجانين)، على الرغم من أنهم يظلون، من دون شك، موجهين بأيديولوجيا “تبرر” أفعالهم. وحاول هورغان تطوير “نموذج العملية” في فهم الإرهاب، محاولا التوفيق بين النظريات السياسية النفسية الموقفية التي ترد الإرهاب إلى البيئة المحيطة، وبين النظريات السياسية النفسية النزوعية التي ترد الإرهاب إلى اتجاهات فردية شخصية لدى الإرهابي، مثل النرجسية والميل إلى الاكتئاب والتجارب السيئة التي مر فيها الإرهابي في حياته وبخاصة في طفولته، مثل التعرض للاعتداء والإهانة. ويقول هورغان إن الإرهاب ظاهرة معقدة لا يمكن ردها حصريا إلى عوامل نزوعية أو عوامل موقفية، ويجب أن يأخذ تفسير الظاهرة بدمج كلا النوعين من العوامل. ويرى أن الاعتقادات التي يحملها الفرد وتنشئته الاجتماعية وتجاربه الحياتية وإحساسه بعدم الرضا وقدرته على تخيل بدائل أخرى لحياته، تؤدي جميعها دورا في مشاركته في الإرهاب. ما يميز الإرهاب عن غيره من أشكال العنف، هو أن الإرهاب يتضمن أفعالا ترتكب بطريقة دراماتيكية لجذب الانتباه العام، وخلق مناخ من الرعب يتجاوز الضحايا الذين تعرضوا له.

وتكون هوية الضحايا ثانوية أو غير مهمة للإرهابيين، لأن عنفهم يتجه إلى الناس الذين يشاهدون ذلك العنف. والتفريق بين الضحايا الواقعيين والجمهور المستهدف هو المعلم الرئيس للإرهاب الذي يميزه عن الأشكال الأخرى من النزاع المسلح؛ فالإرهاب مسرح. وبذلك يختلف الإرهاب عن القتل الجماعي أو الإبادة الجماعية؛ فالقتل أو الإبادة تهدف إلى قتل جماعة بالكامل، ولكن الإرهاب يقتل عددا من الناس بهدف التأثير على جمهور أوسع.!!

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان